عندما لا يكون بوسع فردٍ أن يحلم بشيء فالخبز هو أقصى أمانيه. كيف يُفكر المرء في المستقبل وهو جائع؟ هذا عبث وجنون واحكام ظالمة وتعسفية لفئة من البشر لم يحالفهم الحظ كي يحيوا بشكل آدمي . جرب أن تسأل أحدهم عن السلام تجده يتلعثم في إجابته لأن صوت الرصاص قد خرق طبلة اُذنية، ولأن عينيه رأت الدم يسيل من حوله، ولأنه يحمل كل يوم نعشاً لصديق أو قريب أو حبيب مات جوعاً أو قهراً أو غدراً. كل الذين عاشوا أشقياء في الأرض كانوا يحلمون مثلنا بالدراسة والعمل المرموق والمعاملة الحسنة والبيت الآمن والغذاء النظيف. كان هناك طفل بائس، عيناه تلمعان، يرى نفسه مرتديا زي الأطباء ومعلقا في اذنيه سماعة الكشف. اليوم وبعد أن بلغ ونضج أصبح إرهابي يحمل السلاح ويروع الآمنين ويقتل الأبرياء. مالذي دفعه لذلك؟ نحن أكثر إجراماً منه، نعم تركناه وحيدا وفقيرا ومريضا وجاهلا ومعذبا في الأرض تتخطفة الشياطين ويتسابقون على افتراسه وتجنيده. من السهل علي شخصيا أن أقنع شاب ذاق الألم وعاني من المرض وشاهد أبواه يحتضران قبل ان يأكل أحدهما وجبة نظيفة وشهية كالتي نأكلها على موائدنا، وادفعه الى الانتقام من الأغنياء الذين تركوه حتى وصل إلى ما وصل إليه من المعاناة والألم. ثم بعد هذا كله يقف شيخ على المنبر يسأل المُصلين عن الأخلاق، ويظهر علينا مُذيع يتبرأ من تصرفات وسلوكيات المجتمع . هم لا يدركون أنهم أيضا مجرمون؛ ظنوا أنهم صفوة البشر وخير عباد الله في الأرض لأنهم لم يقتلوا ولم يسرقوا ولم يعاشروا النساء سفاحا، لكنهم دفعوا الطفل البريء إلى أن يرى أشياء بشعة ويعيش في بيئة قذر وينشأ على فعل كل المُحرمات . أهذا عدل؟؟!!! ! تحضرني مقولة الاقتصادي الفرنسي العبقري " آن روبير جاك تورجو/ Anne Robert Jacques Turgot" حينما قال: "اذا لم نحارب الفقر والجهل سنضطر يوما أن نحارب الفقراء والجهلاء ". وهذا الذي حدث بالفعل في منطقتنا العربية والأفريقية حيث عجزنا عن اقتلاع الإرهاب من جذوره لأن هناك آلاف الفقراء والجهلاء يولدون يوميا ويعانون في الحياة من أجل الحصول على الأمن والغذاء بلا رعاية ولا تعليم، تملؤهم الكراهية والعدوان تجاه من حرموهم أو تركوهم أو نبذوهم، ومن ثم فهم وقود النار التي إذا هبت شرارتها لن تنطفئ أبدا. وفي الغالب يستطيع أهل الشر تجنيد هؤلاء المحرومين، وإغرائهم بالأموال والسلطة، ودفعهم للصراعات التي يريدونها في المنطقة. لا أقول أنهم عند هذه النقطة مازالوا أبرياء، ولكننا عند هذا التحول أصبحنا نحن أيضا مجرمين؛ تركنا الحمل وسط الذئاب حتى صار ذئبا مثلهم، ووقتها ندفع جميعنا الثمن. إن مفهوم الإنسانية لا يقف عند اعطاء الجائع لقمة لكي يصمد أمام الأسود التي تنتظره حتى يسمن لتأكله، ولكن الإنسانية أن نعطي الفرص ونطهر البيئة ونهيئ المناخ للفرد ليحيا تحت مظلة العلم والمساواة والرحمة والعدل من أجل أن تستفيد منه الأرض والبشرية بدلا من أن تلعنه وتحاربه.