ونجا أبو النجا

ونجا أبو النجا

 

نعم نجا ابو النجا .. نجا من ان ينحدر حاله المادى فيقبل ادوار تهينه فى نهاية عمره مثلما حدث ويحدث مع العديد من نجوم زمن المبادئ والاحترام .. نجا من المتاجره بوجهه المعروف لدى جمهور عريض فى اعمال دون المستوى .. نجا بادواره البسيطه العميقه والتى ترسخت فى اذهاننا رغم قلتها وهذا دليل على جودتها .. نجا ليترك الدنيا ويلقى ربه بعمل كريم .. نجا ليختتم حياته بالجلوس يوميا داخل مسجد بجوار منزله بمنطقة المهندسين بل وكان يؤذن احيانا لصلاة الفجر .. نجا بان يترك لنا الضحكه البريئه والكوميديا العفيفه البسيطه ... نجا قبل ان يسمع احدا بمرضه او يحاول البعض مساعدته فيصاب ولو للحظات بالاحساس بالشفقه من احد ... نجا بكل هدوء وحلاوه صاحب  اشهر كلمه كوميديه فى السينما المصريه كلمة  " ياحلاوه" ..

التقيته مره واحده فقط ولسوء الحظ انها كانت مره واحده ولكن كانت بمثابه مئات المرات ... فكان ضيف خفيف الظل متواضع جدا لم يطلب مقابل مادى لاستضافته فى برنامج 100 مسا حيث كنت رئيس تحرير البرنامج وكان العديد من النجوم طلبوا مقابل مادى الا الفنان الراحل"مظهر ابو النجا" عندما علم انه برنامج  للتلفزيون المصرى والاخص انه برنامج كوميدي لقناة نايل كوميدي .. ورغم انه حضر فى موعده وبدون مقابل .. تشاء ظروف التصوير بان يتاخر موعد التصوير معه اكثر من اربعة ساعات .. تقبل الوضع بابتسامته الرقيقه وجلس فى الاستراحه وقال ليه " هتشربونا ايه ولا كمان مفيش مشاريب " على سبيل المزاح ..ولكنى على الفور استدعيت عامل البوفيه واتى له بالقهوه .. ورغم ان استراحة الضيوف فى استديو 2 بمدينة الانتاج الاعلامى كانت مكتظه بالفنانين ضيوفا للبرنامج حيث اننا كنا نصور فى اليوم الواحد عدة حلقات مسجله .. الا اننى تركت الجميع وجلست بجوار ابو النجا صاحب اجمل حدوته اخذ يقصها عليا باسلوبه الصادق والشيق ولم استطيع التحرك من جواره لمدة الاربعة ساعات ..  واذكر يومها اننى  لم اصعد حتى الى غرفة مقدمة البرنامج الفنانه ميس حمدان لمراجعة اسكريبتات الحلقات معها وتركت كل الامر لمساعدى الانتاج ومرت الساعات الاربعه وكانها دقائق معدوده وجلست امامه منصتا لما يحكيه .. وكانت حكاية ابو النجا تحمل قصة كيفية التحاقه بالعمل بالتمثيل ورغم مرور سبعة سنوات على هذا الموقف الا ان كلماته لازالت فى اذنى الى الان .. وبدا حكايته عندما كان يعمل فى شركه للنسيج فى محافظة الاسكندريه فى منتصف الستينيات وكان وقتها يسكن فى غرفه فوق سطح احدى المنازل فى احدى المناطق الشعبيه بالاسكندريه وكان راتبه وقتها خمسة جنيهات على حد قوله ... ونظرا لصعوبة المعيشه بهذا الرقم انذاك كان دائما يتاخر ابو النجا فى دفع ايجار الغرفه التى كان يقيم داخلها بمفرده .. وفى يوم من الايام ابلغه صاحب العقار الذى كان يسكنه ابو النجا بانه سوف يحي ليلة زفاف ابنته فوق سطح المنزل ففرح ابو النجا كثيرا ووجد فى هذه المناسبه فرصه عظيمه تجمع مابين امرين فى غاية الاهميه بالنسبه له .. الاولى وهى مجاملة صاحب العقار حتى يكف عن طلب الايجار منه بشكل مستمر والثانيه تاتى فى نوع المجامله حيث ان ابو النجا قرر وقتها احياء حفل الزفاف حيث انه كان على قناعه كامله ان صوته جميل وانه يحلم بالفرصه ليصبح مطربا ولم يتخيل ولو للحظه انه سيصبح ممثل او ان صوته لايصلح للغناء ..

يقول ابو النجا .. يوم الزفاف استعديت للفرح بعد ان نظفت قميصى الذى كنت لا امتلك غيره وخرجت لاصعد فوق خشبة المسرح وأبدأ فى الغناء وكانت اول واخر مره اغنى بها فى حياتى امام جمهور عريض كان يملأ سطح المنزل .. وما ان بدأت اغنى اذا بالموسيقيين واصحاب الفرح يقوموا بتوبيخى على الفور وطلب منى والد العروسه ترك المسرح فورا ..

يكمل ابو النجا قائلا .. تركت المسرح وانا حزين للحقيقه المؤسفه التى اكتشفتها وهى ان صوتى غير صالح للغناء ..

وبعد فتره مرت يقول ابو النجا وجدت إعلان فى احدى الصحف عن زيارة المخرج المسرحى الكبير حسن عبد السلام لمدينة الاسكندريه لاكتشاف من يجد عنده موهبه التمثيل .. فذهبت على الفور .. وعندما دخلت اللجنه سألنى عبد السلام عن الدور الذى احفظه وارغب فى تقديمه فاجبته باننى لم احفظ اى دور فقال ليه "طيب اضحك "فضحكت ثم قال "طيب ابكى " فبكيت .. فنظر ليه وابتسم قائلا "انت ليك مستقبل فى التمثيل .. وطلب منى عندما احضر الى القاهره اذهب اليه ..

ومرت سنوات وابو النجا يحلم بكلمات عبد السلام .. الى ان قرأ فى احدى الصحف ان المخرج حسن عبد السلام يجهز لمسرحيه جديده من بطوله الفنان فؤاد المهندس وشويكار باسم "سيدتى الجميله "عام 1969 فيتجهه على الفور لرئيسه فى العمل ليطلب منه نقله الى فرع الشركه بالقاهره ولكن رئيسه رفض عندما علم منه ان يرغب فى النقل بحثا عن العمل فى التمثيل .. بل ووبخه وقال له لاتنجرف وراء هذه الاوهام ..

لم ييأس ابو النجا .. واستقال من العمل وهو مصدر رزقه الوحيد .. وذهب الى القاهره وسأل عن مقر المسرح بمنطقة عماد الدين برمسيس وذهب من السادسه صباحا وجلس على اشهر مقهى للكومبارس هناك منتظر مرور الوقت ليفتح المسرح ويبدأ عبد السلام بروفاته وعندما سأل عامل المقهى عن مواعيد فتح باب المسرح لانه يرغب فى الذهاب للقاء صديقه المخرج حسن عبد السلام سخر منه العامل والجلوس معا واعتبروه يدعى انه صديق حسن عبد السلام .. ثم اجابه العامل بسخريه ان المسرح يفتحه حارسه من العاشره صباحا وفى العاشره انطلق ابو النجا الى المسرح وجلس بجوار حارس المسرح والذى منعه من الدخول لانه لم يصدق انه صديق المخرج حسن عبد السلام ..

يقول الراحل ابو النجا .. جلست بجوار الحارس وانا اشاهد نجوم الفن يدخلون امام عينى ملتزمين بموعد وصولهم لان المخرج كان ياتى فى الحادية عشر ويغلق الباب خلفه حتى لايدخل احدا بعده .. وبعد اكتمال العدد ووصول جميع النجوم بما فيهم الابطال .. وصل المخرج فانقض عليه ابو النجا واخذ يصافحه بحراره ويذكره بنفسه فاذا بالمخرج يتذكره على الفور ويرحب به ويصطحبه معه الى الداخل ..فيشعر ابو النجا بالنصر على الحارس على حد ذكره ..

يكمل ابو النجا حواره الشيق قائلا .. جلست فى الصفوف الاخيره وجسدى يرتعد من رهبة الموقف وبدأ المسرح يخلو من الاصوات لبدأ البروفه .. ولكن مر وقت طويل دون ان يلتفت احدا اليه فشعرت بالخجل واليأس وقررت ان انسحب واخرج فى هدوء .. وهنا يقول ابو النجا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى وعلى اهون سبب اصبحت ممثل .. فعندما قررت الانسحاب والخروج تعرقلت قدميه بإحدى المقاعد فخرج صوت فالتفت اليه المخرج منزعجا من الصوت وعندما شاهدنى فى طريقى للخروج صاح عليه لاذهب اليه .. واذا به يسأل عن احد الاشخاص الذين كان مقرر لهم تقديم دور بسيط جدا لا يتعدى السطور القليله فيجيبه مساعديه بانه لم يأتي .. فيقرر عبد السلام بأن اقوم بتأدية الدور ..

واكمل قائلا .. لم اصدق نفسى وقتها من الفرحه واخذت الورقه التى بها نص الدور وذهبت فورا على غرفتى بإحدى الفنادق البسيطه فى منطقة وسط البلد .. ويقول ابو النجا انه لم يغفل له جفن حتى موعد التصوير وهو يحفظ فى اربعة او خمسة اسطر ولم يصدق ان بدايته ستكون أمام فؤاد المهندس وشويكار .. بل وتحت قيادة حسن عبد السلام ..

وبكلمه واحده فقط صنع مجد من الكوميديا دون الاسفاف والاستظراف .. فالنجاح ليس له علاقه بحجم الادوار ومساحات التواجد على الشاشات كما يظن بعض نجوم هذا العصر وانما هو كلمه صادقه تخترق القلوب فيظل صاحبها داخل القلوب .. فالعمل مع الفطاحله يصنع المجد والنجاح وليس العمل المفرد والبطولات المطلقه هى صانعة النجاح ..

فى الحقيقه ان الفنان مظر ابو النجا نجا من مساومات وفتن قهرت الفن واهله واصابته بالعجز والاسفاف الا قليلا .. وداعا ابو النجا صانع الضحكه البريئة

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;