كنتُ أنوي الاغتسال قُبيل الفجر، لكن لم أجد ولاقطرةً من الماء .
فتحت الصنبور وانتظرت قرابة نصف الساعة، مرّت سريعةً تجري وجسدي المصلوب قيد الانتظار قد تحنّط كلوحٍ من الجليد، تحنطت عليهِ أفكاري وتحنّطت عليهِ نظراتي وذكرياتي .
انفرطت في مخيلتي الصور والوجوه وبدأت تتساقط كالمطر، تتساقط كحبّات البلّور المكسّرة من خيط المسبحةِ المقطوع ...
انفرطت الأيام والسنوات ؛ عشرون سنةٍ يركضنَ في محراب نصف الساعة، يتسابقن عبر ممراتي الواسعة، يقفزن من رأسي إلى ما بين ساقيّ حتى قدميّ المزرقّتين من حدّة الهواء الذي يجلدهما جلدًا رقيقًا فيخترقهما ويخترق الأصابع اختراقًا واحتراقًا عميقًا .. عميقًا بعمقِ سرعة البرق وأسرع .
وعندما عاد الماء ، عاد باردًا حادًا يجرحُ جلدي الجاف ، يسلخني، يخدشُ أعضائي وكلماتي .
كان لابدّ عليّ مِن الاغتسال والوضوء وذكر الشهادتين قبل النزوح من سطوتهِ الغاشمة.
لابدّ من الطهارة وغسل الخسارة ولو ببضع قطراتٍ سردهُن وحيٌ من وحي الفاتنات عندما يتقشفن عن العشق ويركعن ركوعَ المرارة .