مفتي الجمهوريية يُجري حوارًا مهمًّا مع صحيفة ”بانكوك تايمز”الأوسع انتشارًا في تايلاند

مفتي الجمهوريية يُجري حوارًا مهمًّا مع صحيفة ”بانكوك تايمز”الأوسع انتشارًا في تايلاند

 


أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية- أننافي مصر نعالج قضايا التطرف الديني من منطلق رسالتناالأساسية بأن الهدف الأسمى لكل الأديان هو تحقيق السِّلمالعالمي.

وأضاف في تصريحات لصحيفة "بانكوك تايمز" الأوسع انتشارًافي تايلاند أن دار الإفتاء المصرية استشعرت خطر فتاوىالإرهاب، وقامت بِحُزمة من الإجراءات لمواجهة الآلية الدعائيةللتنظيمات الإرهابية ومن ضمنها داعش، وذلك من خلال إقامةمرصد لمتابعة الفتاوى التكفيرية والمتشددة، والرد على هذهالفتاوى وتفنيدها من خلال منهج علمي رصين.

وأشار إلى أن الدار أقامت كذلك مركزًا تدريبيًّا متخصصًا حولسبل تناول ومعالجة الفتاوى المتشددة، وإطلاق صفحةإلكترونية بعنوان "داعش تحت المجهر" باللغتين العربيةوالإنجليزية لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تسوقها التنظيماتالإرهابية، وإطلاق مجلة إلكترونية "بصيرة" باللغتين العربيةوالإنجليزية لنشر الإسلام الوسطي المعتدل، فضلًا عن ترجمةأكثر من 1000 فتوى باللغتين الإنجليزية والفرنسية نسبة كبيرةمنها متعلقة بتفنيد مزاعم التيارات المتطرفة وما تسوِّقه منمفاهيم وتصدِّره من فتاوى مغلوطة، وكذلك إصدار موسوعةلمعالجة قضايا التطرف والتكفير باللغات الأجنبية.

وحول الإسلاموفوبيا قال فضيلة المفتي: تنبهنا في دار الإفتاءالمصرية لزيادة وتيرة الإسلاموفوبيا وبدأنا العمل انطلاقًا مندورنا في تصحيح صورة الإسلام في الخارج، من خلال برنامجواضح واستراتيجية مرسومة، سواء من خلال إرسال علماءالدار إلى الخارج، أو التواصل مع المراكز الإسلامية ومتخذيالقرار في الشرق والغرب وشرح وتوضيح السمات الحقيقيةللإسلام بعيدًا عن التعصب.

وأضاف: كما قدمنا مجموعة من المقترحات التي نعمل فيالوقت الراهن على تحقيقها، منها أن الضرورة أصبحت مُلحَّةًلإنشاء قنوات فضائية إسلامية موجَّهة للشرق والغرب تخاطبالجميع بلغته وتعطي صورة شاملة عن الثقافة الإسلامية وتسهمفي تصحيح صورة الإسلام والعرب والمسلمين، ومن ثَمَّ فلا بدمن إنتاج برامج تخاطب العالم باللغات الأجنبية بغية تصحيحصورتنا لديهم، وهذا ما تفعله دار الإفتاء على صفحاتهاالمترجمة باللغات الأجنبية.

ولفت إلى أن هذه البرامج والحملات الإعلامية تركِّز على تفعيلدور الإعلام الإسلامي في تحسين صورة الإسلام والمسلمين منخلال التعرف على صورة الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلامالعالمية، كما ينبغي طرح رؤية مستقبلية في مواجهة تشويهصورة الإسلام والمسلمين، والتعرف على تأثيرات العولمة فيتشكيل الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين، وتفعيل دورالاتصال المباشر في مواجهة الصورة السلبية عن الإسلاموالمسلمين في العالم، ومن خلال كل هذه الجهود نستطيع أننواجه حملات التشويه ضد الإسلام.

وقال فضيلته: "لا بد من إنشاء جهاز إعلامي إسلامي للبحوث،يتولى رصد وتحليل ما يُقدَّم عن الإسلام والمسلمين في وسائلالإعلام العالمية، وإعداد الدراسات العلمية والحقائق التي يُعتمَدعليها في الرد على ما يقدَّم من صور مشوهة أو إساءة تتعلقبالمسلمين وثقافتهم ودينهم، وهذا ما تحقق من خلال إنشاءالأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم التي أنشأتها دارالإفتاء المصرية في العام الماضي لكي تضطلع بهذا الدور الهام".

وأوضح مفتي الجمهورية أن الإسلام الذي تعلمناه وتربينا عليهدين يدعو إلى السلام والرحمة، فإن أول حديث نبوي يتعلمه أيطالب للعلم الديني: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن فيالأرض يرحمكم من في السماء» (رواه الترمذي وصححه).

وأشار إلى أن فهمنا للإسلام ينبثق من فهم معتدل صافٍ للقرآن: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًاوَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]. وعندما قال الله تعالى: {لتعارفوا} لم يكنمراده تعالى أن يقتل بعضنا بعضًا، فكل الأديان متفقة علىحرمة قتل الأبرياء، وإننا إنما أمرنا بالتعاون على نحو بنَّاء: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].

وأكَّد مفتي الجمهورية أن السواد الأعظم من المسلمين عبرتاريخ الإسلام الطويل قد انخرطوا في تنمية مجتمعهم وبناءشخصية صالحة، وقد أوضح ذلك القرآن: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّوَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِوَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].

وأشار إلى أن القرآن الكريم فيه ما يزيد على 6000 آية، تتعلق300 منها فقط بالتشريع والباقي متصل بإنشاء شخصية ذاتخلق حسن، وبالمثل هناك ما يربو على 60 ألف حديث تتصل2000 منها بالأمور التشريعية، والباقي يتناول الشخصيةالخلوقة، والرسول عند المسلمين موصوف بأنه رحمة أُرسلتللعالمين.

وأوضح فضيلة المفتي أن الإسلام أقام حضارة إنسانيةأخلاقية وسعت كل الملل والفلسفات والحضارات، وشاركت فيبنائها كل الأمم والثقافات، وإننا نرى أنفسنا بوصفنا مسلمينأناسًا استوعبوا تعددية الحضارات، فقد تعرضنا –مستوعبين-لحضارات فارس والهند والصين واليونان وضممناها لحياتناالثقافية والفكرية، وأفدنا منها جميعًا، كما أضفنا إليها.

وأضاف أن الحضارة الإسلامية تضع الناس والعباد فوق أماكنالعبادة، وهذا المنظور الإنساني والعالمي لا يسمح لنا باعتبارأنفسنا فوق ما عدانا من الخلق.

وقال فضيلته: "إننا فخورون بحضارتنا لكننا لا نتنكر للحضاراتالأخرى، فكل من يعمل على التنمية البناءة في العالم شركاء لنا،وبما أن حضارتنا مهتمة بالإنسانية، فهي تجمع بين الروحيوالمادي. إننا لا نبغض الحياة ولا نسعى لخلق حالة من عدمالتوازن الاجتماعي، ومن يتورط في ذلك فقد سار في عكساتجاه تعاليم ديننا وما تعلمناه عن الشخصية ذات الخلقالحسن".

وحول المشكلات التي تواجه المجتمعات الإسلامية الآن أشارفضيلته أن مشكلة "المرجعية" من أهم هذه المشكلات، ففيالإسلام وغيره من الديانات نشهد ظاهرة تصدي غيرالمتخصصين ممن ليس لهم نصيب وافر من التعليم الدينيوتنصيب أنفسهم مرجعيات دينية، بالرغم من أنهم يفتقرون إلىالمقومات التي تؤهلهم للحديث في الشريعة والأخلاق.

وأضاف: لقد أدى هذا التوجه إلى أن فُتح الباب على مصراعيهأمام التفسيرات المتطرفة للإسلام التي لا أصل لها، وفي واقعالأمر فإن أحدًا من هؤلاء المتطرفين لم يدرس الإسلام في أيٍّمن معاهد التعليم الديني الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئاتمفعمة بالمشاكل، واعتمدوا على تفسيرات مشوهة ومنحرفة لاأساس لها في التراث الإسلامي، فغايتهم تحقيق مآرب سياسيةمحضة لا أصل ديني لها؛ فهمُّهم إشاعة الفوضى، ودورنا -كونناقيادات إسلامية قضت حياتها في دراسة النصوص الدينية- هوإعادة المرجعية بإعادة مَن لهم قدم راسخة في العلم.

وقال: "لقد بدأنا من خلال "إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئاتالإفتاء في العالم" تقديم صورة للمرجعية الإسلامية التيستسهم في فهم الإسلام وحقائقه".

وأضاف: "اسمحوا لي أن أكون واضحًا بأن أكرر لكم أن الإسلامضد التطرف على طول الخط، لكننا إن لم نفهم العوامل التيتقدَّم لتبرير العنف، فلن نتمكن أبدًا من استئصال هذا الوباء، ولابد من فهم ذلك حتى نبني مستقبلًا أفضل يضع نهايةً لهذاالوضع الذي يؤزم العالم".

ولفت إلى أن الإسلام يحتاج لمن يقدمه بطريقة أكثر عمقًاوشمولًا وبمزيد من الحساسية والموضوعية في كل من الإعلاموالمناهج الدراسية خاصة في بلاد غير المسلمين.

وأكد أن دار الإفتاء المصرية تبذل جهودًا دءوبةً نحو الوصلبين الإسلام والواقع المعيش، فنحن نصدر آلاف الفتاوى بشأنحق المرأة في الكرامة والتعليم والعمل وتولي المناصبالسياسية، وإدانة العنف في معاملتها، كما أيدنا الحق في حريةالضمير وحرية التعبير ضمن حدود اللياقة المشتركة.

وأضاف: "لقد عززنا المشترك الذي يتقاسمه الإسلام والمسيحيةوغيرها من الديانات، وشددنا على أن الدولة الحديثة لا بد أنتكون مبنية على أساسٍ من العدل وسيادة القانون".

وأشار إلى أن الدار أدانت -وبشكل قاطع- العنف ضد الأبرياءخلال تجربة مصر المرة مع الإرهاب في الثمانينياتوالتسعينيات وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر المروعة،ولا زلنا نقوم بذلك في ردودنا على المتطرفين حول رؤيتهمالمشوهة للإسلام.

وقال مفتي الجمهورية: "علينا أن نسعى لتعزيز المبادئ والقيمالمشتركة، ويتعيَّن علينا أيضًا أن نقبل واقع الاختلاف في العالم،واحترام الاختلافات التي بيننا هو أساس للتعايش لا الصراع،لأنه من البديهيات كي يكون الإسلام لاعبًا أساسيًّا في عالماليوم أن يكون العلماء المسلمون المؤهلون هم مَن لهم الحق فيالتحدث باسم الإسلام، وقد رأينا في أحيان كثيرة أن وسائلالإعلام العالمية تستجيب للإغراءات وتعتبر المتطرفين -الذينلا يمثلون إلا أنفسهم- تيارًا سائدًا".

وأضاف أنه يمكن للإسلام الصحيح أن يُسكت أصوات الأقليةالمتطرفة، وثمة تقدُّم هائل يتم إحرازه اليوم في أرجاء العالمالإسلامي لتثقيف الدعاة وطلبة العلم الشرعي في برامجالتدريب والتأهيل التي تقوم بها دار الإفتاء المصرية وغيرها منالمؤسسات العريقة، كما يتم مساعدتهم كذلك على الانخراطوالتعاطي مع معطيات العالم الحديث وفهم الواقع وتحدياته.

ولفت إلى أنه من الضروري أن يكون حوارنا متعدد الأوجه،ليشمل الجوانب الثقافية والعلمية والاقتصادية. وينبغي أنتكون هناك علاقات وثيقة بين الجامعات ومراكز البحثوالطلاب بين الدول، فتبادل المعرفة في أوساط الشباب، تعدأضمن الوسائل التي تُعين على نشر التسامح بين أوساط قادةالأجيال القادمة في كلا الجانبين.

وأكد مفتي الجمهورية في ختام حواره أننا نحتاج أن ندربأنفسنا والمجتمع معنا على فكرة قبول الآخر وقبول الاختلافمعه، وعلينا أن نصل إلى مرحلة التوافق والاستقرار، وذلك منخلال إشاعة ثقافة الحوار فيما بين الإنسان وأخيه أو بينه وبينالآخر، وأيضًا يجب أن نبحث عن المشترك الذي يتم به التعاونوالانطلاق، وأن نستوعب التضاد في وجهات النظر ولا نحوِّلهإلى صدام.

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

فيس بوك

a
;