أنفرد موقع " القمة نيوز " بلقاءاً تاريخياً مع المؤرخ " وصفى تمير حسين "، و الذى يعد من ضمن المؤرخين القليلة بالبحر الأحمر لكى يوثق لنا بالصور ما حدث أثناء قدوم الملك " فؤاد الأول " ملك مصر و السودان في ديسمبر عام 1926 لكى يفتتح منجم البيضا غرب مدينة القصير .
و أسرد " تمير " قائلاً ، افتتح الملك فؤاد الأول ملك مصر والسودان فى الثامن والعشرين من شهر ديسمبر فى عام 1926م " منجم جبل ضوى " أو ما نسميه الآن " بمنجم البيضا " غرب مدينة القصير بثلاثين كيلومتر ، وكان معه رئيس الديوان الملكى ورئيس الوزراء " عدلى باشا يكن " ، و أيضاً وزير المالية " مرقص حنا باشا " ، و وثقت الزيارة عبر الصور الفوتوغرافية وشريط سينما شاهدت منه و لثوانى معدودة فى فيلم و ثائقى عن ثورة 1919م ومن الصور لاحظت اللافتة الرخامية مكتوب عليها بالإيطالية التاريخ واسم الملك ولاحظت تقليد عكس ما نفعله نحن إذ علقت اللافتة فى لحظة دخول الملك على عربة صغيرة على شريط سكة حديد بواسطة عامل إيطالى وأعلى فتحة الدخول علقت الأعلام المصرية والإيطالية وبعد خروجه كان معد له حفل مشروبات وكان فى استقباله مجلس إدارة الشركة الإيطالية ومسئولون مصريون وإيطاليون ومنهم مساعد ميدانى صاحب الجلالة و المستر " ميسينى " والمهندس" ميس " مستشار الشركة والوزراء فى خيمة طولها12متر وعرضها 6أمتار وفرشت الأرض جميعها بالسجاد الأحمر .
و تابع " تمير " ، تأتى الزيارة رداً على من يختزل التاريخ لحقبة ما قبل ثورة يوليو أنها جميعها فساد وخمر ونساء وجمود وكبر فالملك والحاشية قطعوا المائة والخمسين متراً عبر سيارات بدائية من قنا وعادوا بها ودل ذلك على اهتمامه بالاقتصاد فى الوقت الذى كانت بلده محتلة رغم الاستقلال الصورى 1922م بتصريح 28فبراير 1922م ناقص الاستقلال والشركة المصرية لإنتاج الفوسفات و هكذا كان اسمها بدأت العمل فى مناجم القصير1910م وصدرت أول شحنة للفوسفات على ظهر المركب " كافى " فى العام 1916م حيث أقام الإيطاليون من مدينة " أجورنى" مجتمعاً منتجاً فى تلك المناجم وزوده بمعظم وسائل الحياة من إنارة وغيرها حتى إن كل منجم كان مزوداً بشاشة عرض سينمائى وعاشت تلك المناجم فى أودية متاخمة للجبال حيث إنتاج الفوسفات كمجتمع راقى.
وقد نادى مؤرخ القصير الكبير المرحوم " همام " ، ذات يوم على صديقى " أحمد شلبى " ، مخبراً إياه أن هذا الأجنبي الإيطالى الجنسية هومن مواليد منجم حمضات - غرب القصير ، ولك أن تصدق فرضياً إذ خرجت علينا الصحافة يوماً بحفيد لهذا الإيطالى يلعب مثلاً فى " اليوفينتوس" ، أو" الميلان " أو" روما " ، مثل " استيفان شعراوى " المصرى الأصل وقد ينوه معلق المباراة على أن النجم فلان قد ولد جده بمنجم " حمضات " ، والأدلة والشواهد ومنها الصور وبها أكثر من إمرأة إيطالية تحمل رضيعاً لا يتعدى الثلاثة أشهر والعقيدة القتالية للمرأة المصرية ( ح أولد عند أمى )غير معترف بها عند هؤلاء فالمرأة الأوربية سكنها هو سكن زوجها ولم لا فهم أى الإيطاليين من أجورنى الإيطالية حولوا مناجم القصير إلى مستعمرات تعدينية فى مناجم (جبل ضوى) ، (البيضا) ،(العطشانة ) ، ( النخيل حمضات وأبوتندب وغيرها ) ،وقد مكنوا لأنفسهم ولذويهم سبل المعيشة حتى صاروا يعتزون بها.
كما روى مؤرخ القصير" وصفى تمير " ، قصة لإيطالى و هو صغير خرج مع والده و عمه ، لاصطياد الغزلان فى مدخل الوادى المؤدى إلى منجم أبوتندب غرب القصير والاسم الشائع كما أسلفنا " أبو تلضم " ، و قد تركاه فى منطقة ودخلوا الوادى وغابا عنه حتى جن الليل فخاف ودخل جوف مغارة بالجبل وقد رأى ليلاً وهو فى رعب قطعان من الحيوانات وذكر أنه من عطشه الشديد اضطر لشرب بوله حتى أصبح الصباح فإذ به يسمع أصوات فى الخارج و قد كانوا مجموعة من الرعاة العبابدة على جمال لهم والذين أوصلوه إلى أهله و أصر على ذكر أن هؤلاء الرجال كانوا يومياً يأتون للاطمئنان عليه ومع الأزمة الاقتصادية العالمية والحرب العالمية الثانية عام (1939م/1945م) غادرت أسرته إلى إيطاليا والتحق هو بمعهد أجورنى الخاص بالتعدين وعاد بحلم العمل بالشركة التى كان من مؤسسيها والده وعمه وإذا به يصطدم بقوانين التأميم الاشتراكية ، وهذا نموذج لأسرة واحدة إيطالية من ضمن عشرات الأسر الذين عاشوا فترة من أزهى عصور القصير الاقتصادية وقد ظلوا لنحو خمسين عاماً فى تناغم وتوافق مع أهل القصير والنازحين من أهل الصعيد خاصة محافظتى قنا وأسوان ووثقوا ذلك فى صور وبنية تحتية مازالت تنم عن اتقان وضمير حضارى متميز.
و روى " تمير " ،أيضاً قصة أول معلم إيطالى فى شركة الفوسفات بالقصير والذى جاء من مدينة أجورنى فى الشمال الإيطالى وكعهد الصناعة الأوربية تؤمن بالتخصص، ولك أن تتصور أن أنجح المدن المصرية فى الصناعة هى من تخصصت مثل المحلة الكبرى ودمياط وذلك فى الأثاث والغزل والنسيج وكذلك أجورنى الإيطالية التى مازال حسب تصريح " ماركو الإيطالى " ، لنا أن بالمدينة معهد للتعدين ومن تلك المدينة الإيطالية جاء زهاء مائتين من الطليان لوضع البذرة الأولى للبنية التحتية لشركة الفوسفات ثم توافد الآخرون بجميع التخصصات من ، القس إلى الحلاق مروراً بالفرقة الموسيقية ، وجاء دور المدرسة ليأتى بطلنا " بيليجرينى " ، المعلم بالمدرسة الإيطالية وكان له من الأبناء " كليليا " و " إيلدو " ، ومن خلال الصور تجده معلماً مهندماً فمرة تجده بكاميرا ومعظم صور تلك الحقبة مصدرها موقع إيطالى لابنه " إيلدو " وكم كان حظ القصير عاثراً فقد توفى " إيلدو " ، المحب والمتيم بالقصير وكان صديقاً للمرحوم الأستاذ " همام " ، وهناك صورة " لإيلدو الإيطالى " ، برفقة السيدان " شعبان رقاقة " ، و " فوزى ويصا " ، وهو يبكى على قبر " همام ".
و أختتم " تمير " بقصة ، الأب " بليجرينى " ، المعلم بالقسم الإيطالى ثم فتح القسم العربى وأشهر من درس به المرحوم " أبو الوفا النيدى " ، وكم كانت تلك المدرسة النموذج ومن يناشد اليوم التعلم النشط فهاك" بيليجرينى " يقوم بتحنيط " الشكعة " أو " الدرمة " ، وتشاهد جلسة التلاميذ بالفصل مجموعات على منضدة واحدة كاستراتيجية التعلم التعاونى، وبجوار المدرسة كان بيت الراهبات يعلمن التلميذات الحياكة والتطريز ومقصورة على بنات العاملين بالشركة بجانب الطليان وهناك الكثيرون من فتيان وفتيات القصير نالوا هذا الشرف بالدراسة فى مدرسة الشركة حتى أفل نجمها تدريجياً بانتقال من تخطى الصف الثالث الابتدائى مع افتتاح المدارس الحكومية وسبقتها مدرسة على البحر وهى منزل " المرحوم عبدالرحيم عبد السلام " ، وقد درست بها والدتى وحتى حينه يتغنى من درس بمدرسة الشركة بالنظام والنظافة والاحترام.