صفاء أحمد تكتب: ”أمومة وطن”

صفاء أحمد تكتب: ”أمومة وطن”

 يوم وحيد ...يسترجع فيه الابن أو الإبنة تفاصيل يومية ومواقف لا يمكن للذاكرة محوها ، تجمعهم مع تلك الأنثى التي جعلها القدر المسؤول المباشر عن قدومه -ها إلى هذا الكوكب العجيب ..يوم وحيد لا ثاني له تلتهب فيه مشاعر البنين لتتمخّض عنها هديّة ؛ تبدأ بأبخس الأثمان وتنتهي بأغلاها على الإطلاق ..
يومٌ وحيدٌ تطلق المحطّات المرئية  والاذاعات اللامرئيّة ساعات طوال لتتحدّث عن تلك الانثى الخرافيّة ، تدغدغ مسامعنا بأغنيةٍ درجنا على سماعها وما مللنا لحنها تصدح في كلّ الأماكن الخاصّة و العامّة ، تتوحّد لتقول : ستّ الحبايب يا حبيبة ..يا أغلى من روحي ودمّي ...يا حنيّنة وكلّك طيبة ...يا ربّ يخليكي يا أمّي ...
 يوم وحيد يتذكّر البنون بعدهم وغيابهم عن عيني تلك الأنثى فيذرفون دموعهم مدرارة ، لا شيء يوقفها إلّا ضمّة من صدرها الدافئ ، الغائب..الحاضر في روح الذاكرة .... 
وككلّ عام ..ينتهي هذا اليوم بعجالة كما بدأ ..
ليبدأ يومٌ جديد ... 
 يقف شريط ذكريات البنين ..يسرقهم الزمن ..يهرب بهم بعيداً عن تلك الأنثى ..لا أغنية شجيّة تصل قطعهم لها ..ولا هديّة تعبّر عن امتنانٍ لعطاءاتها ... 
 وحدهم من فقدوا تلك الأنثى يحتفظون بوصلها إلى الأبد ..يتذكّرونها عند إشراقة كلّ يوم ..وعند أفول كلّ قمر ...يحسدون من لم تفارقه تلك الحنونة ..يجترّون حزنهم عندما يتسلّل برد الشتاء ..وعندما تضنيهم حرارة الصيف ...يخبّئون عويل أرواحهم إلى أن يأتي المساء ..فتهنأ برؤية وجهها يتبدّى على مساحة الأحلام ..يتجرّعون كؤوس الندم مراراً كلّما هبّت نسائم الذكريات الماضية ..يتمنّون لو أنّهم ما ضيّعوا على أنفسهم نعمةٓ وجودها ..

أمّا هي .. 
 غائبة كانت أم حاضرة .. أميّة كانت أم عالمة .. .راضية عن أبنائها أم غير راضية .....تردّد في سرّها وعلنها أدعيةً حفظتها عن ظهر قلب تطلب فيها النجاح والتميّز والصحة والعافية و الرّضا والغفران.... ..لمن برّ بها ولمن لم يبرّ بها ...تنتظر المريض ليشفى ..والغائب ليعود..والصغير ليكبر ..تحبّهم ..تجمعهم ...
توحّدهم ..إن لم يكن في بيتها وعلى مائدتها .. توحّدهم تحت سقف الوطن .. 
لتكون هي الوطن ..
 ويصبح الوطن بها أمّاً ...

كلّ عام والوطن أمّ ..والأمّ وطن ...

 

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

فيس بوك

a
;