الإسلام هو الصراط المستقيم الذي أمر الله تعالى بالاستقامة عليه، ونهى عن تجاوز حدوده، وأن من ارتكب شيئا من المحرمات، فقد تعدى حدوده، وإن الإيمان، فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتقادات الباطنة فقال " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره " وإن الإنسان مهما طال عمره فلا بد له من يوم يفارق فيه الحياة، ومهما ملك الأموال والقصور فلا بد له من زيارة القبور ومهما طال الليل فلا بد له من طلوع الفجر ومهما طال العمر فلا بد من دخول القبر، فلا بد من اليوم الذي ستلقى فيه ربك وتخرج فيه روحك وتعرض عليك أعمالك وإن الإنسان إذا مات انقطع عمله فلا ينفعه هناك سوى عمله الذي قدمه إن كان خيرا فخير و إن كان شرا فشرا.
ومن الأمور الخطيرة أن يوصي الميت في حال حياته بوصية ظالمة جائرة تسمى وصية الضرار مثل أن يوصي لزوجته بكذا وكذا من المال أو يوصي لأحد أولاده بالدار الفلانية أو نحو ذلك أو يوصي فيقول زوجتي فلانة ليس لها شيء من الدار أو ما أشبه ذلك، وهذا إذا فعله الإنسان فهو دليل على سوء خاتمة وهذا العمل من الكبائر كما جاء ذلك عن السلف، وبعض الناس واقعون في مثل هذا العمل، فهى من الأمور التي ينبغي أن ننبه إليها فهى من المخلفات السيئة التي خلفها الإنسان بعد موته، وإن من الناس من يموت ولا يكون له أي آثار من أعمال صالحة، بل تطوى صحيفة حسناته بموته، ومن الناس من يوفق فيكون له آثار من أعمال صالحة وهو في عداد الأموات، لكن ثوابها وأجرها يجري له من صدقة جارية أنفذها في حياته.
أو علم يُنتفع بها بقيت آثاره بعد مماته، أو دعاء ولد صالح، وكل الناس يتمنون أن يكون لهم آثار من أعمال صالحة يجري ثوابها لهم بعد مماتهم، ولكن بعض الناس يُؤتى من جهة التفريط والإمهال، وطول الأمل حتى يبغته الموت، أو يبغته مرصد الموت، فلا يستطيع حينئذ أن يقدم ما كان يتمناه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم "وما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين له شيء يريد أن يوصي به، إلا وصيته مكتوبة عند رأسه" وقال ابن عمر رضي الله عنها " ما بت ليلة إلا وصيتي مكتوبة عند رأسي" وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم، وفي هذا الحديث العظيم يبين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن عمل الإنسان ينقطع بالموت.
فإن من مات فقد انقطع عن دار العمل، وانتقل إلى دار الجزاء والحساب، ولذلك فإن الحياة فرصة عظيمة للأحياء في أن يعملوا، وأن يتزودوا بالأعمال الصالحة، فرصة لأن ينيبوا إلى الله عز وجل ويرجعوا إليه، وفي هذا الحديث العظيم يخبر النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بأن أمورا ثلاثة لا تنقطع بالموت، وإنما يجري للإنسان أجرها وثوابها بعد موته، نعم إن الموت تنقطع به الأعمال، لكن هذه الأمور الثلاثة لا تنقطع بالموت، وهى صدقة جارية، والصدقة الجارية هي الوقف والتسبيل في أمور الخير، فما وقفه المسلم لله عز وجل فهو من الصدقة الجارية التي يستمر ثوابها له بعد مماته، ومما يستمر أجره وثوابه للميت بعد موته "علم يُنتفع به" والمراد بهذا العلم، العلم المستمد من كتاب الله وسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ويكون توريثه بالتعليم والتأليف والنشر، ونحو ذلك.