يجب علي ولي الأمر والأب أن يختار الزوج الصالح لإبنته، وإن من ذلك ما فعله الإمام العالم سعيد بن المسيب رحمه الله حيث اختار لابنته تلميذا من تلامذته، كان مثالا في الخلق والدين، في الوقت الذي تقدم لخطبتها الأمراء والوزراء إلا أنه ردهم، فقال لتلميذه ألا تتزوج؟ فقال ومن يزوجني يا إمام؟ قال أنا أزوجك، فقال له متعجبا أنا أتزوج ابنة سعيد التي يخطبها الأمراء والوزراء ويردهم عنها؟ فقال له أنا أزوجك، فدعا من كان في المسجد وعقد عقد زواجهما على درهمين، فيقول هذا الرجل فطرت من الفرح وعدت إلى بيتي، وإذا في المساء وعند غروب الشمس وكنت يومها صائما، فإذا بطارق يطرق الباب، وإذ به الإمام سعيد، فقلت في نفسي لعله تراجع عن كلامه، وقلت له لماذا أتيت يا إمام؟ لو أخبرتنا لأتينا إليك، فقال له مثلك يؤتى، أنت إنسان ونحن قد زوجناك.
وخفت أن تبيت الليلة عزبا فيحاسبني الله عز وجل، فدفع له ابنته وأعطاه مبلغا من المال وقال له بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما على الخير، وإن المقاصد التبعية للزواج أربعة أمور، وهى التحصن من الشيطان، ودفع غوائل الشهوة، وغض البصر، وحفظ الفرج وذلك لقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أى وقايه، والنكاح بقصد دفع غائلة الشهوة مهم في الدين لأن الشهوة إذا غلبت، ولم تقاومها قوى التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش، وإن النكاح بقصد ترويح النفس وإيناسها، بالمجالسة، والنظر والملاعبة إراحة للقلب، وتقوية له على العبادة لما جاء عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه، أنه تزوج إمرأة ثيبا.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا جابر تزوجت؟ قال، قلت نعم يا رسول الله، قال " فبكر أم ثيب؟" قال، قلت بل ثيب يا رسول الله، قال " فهلا جاريه تلاعبها وتلاعبك " أو قال " تضاحكها وتضاحك " وإن النفس بطبعها ملول، وهي عن الحق نفور لأنه على خلاف طبعها، فلو كُلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت، وإذا رُحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة، ما يزيل الكرب، ويروح القلب، وإن النكاح بقصد تفريغ القلب عن مشاغل تدبير المنزل، والتكلف بشغل الطبخ، والكنس، وتنظيف الأواني ونحو ذلك من الأعمال المنزلية، والمرأة الصالحة لزوجها المصلحة لبيتها عون على الدين، ومتاع في الدنيا كما قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحه "
وإن النكاح بقصد مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والقيام بحقوق الزوجة، والصبر على أخلاق النساء، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن وإرشادهن، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، وقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " الرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته" وقال صلى الله عليه وسلم " استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شئ فى الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" والمعنى هنا هو أوصيكم بهن خيرا، فاقبلوا وصيتي فيهن، فإنهن خُلقن من ضلع، واستعير الضلع للعوج أي إنهن خُلقن خلقا فيه اعوجاج، فكأنهن خلقن من أصل مُعوج فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن، والصبر على اعوجاجهن.