رسالة القلب إلي الإنسان

رسالة القلب إلي الإنسان

إن رسالة القلب في بث الحنان وإشاعة الرحمة في النفوس من أقدس الرسالات وأعظمها ثمرة في تحقيق السعادة وبث الأمن في النفوس وإن الذين يدعون إلى صفاء القلوب، وطهارة الضمائر، ونظافة السرائر، يعرفون جيدا أنهم لا يدعون إلى أمر سهل ميسور، فليست المسألة مقالة تكتب، أو خطبة تلقى لأن الوعظ الطائر لا يجد جدواه إلا حين يعتمد على الأناة البصيرة، والتحليل الدقيق، ولا بد من خبرة نفسية واجتماعية معا ليرسم الهادي طريق الاهتداء، ومن دلائل هذه الخبرة ما نعرفه من أن النفس أمارة بالسوء، وأن جهادها الدائب في معركة الفضيلة لا يقل عناء عن جهاد المقاتلين في حومة النضال، وقد تجد النفس المطمئنة التي تسارع إلى الانقياد لأمور تهيأت لها من نقاء الوراثة، وصفاء البيئة، وهدوء المنزل، ولكن بجوار النفس الواحدة من هذا الطراز الممتاز.

نفوس شتى مارست الشر واقتنعت به وتعلمته، مارست الشر حين رأته يُحاك في بيئتها دون إنكار، فعرفت أنه سبيل مطروق لا غرابة فيه، واقتنعت به حين وجدت بعض الممارسين يصلون عن طريقه إلى ما يبتغون، في زمن انتكست فيه الأوضاع، وتقدم الذيل وتأخر الرأس، وتعلمته مما جنت من ثمار الدس والوقيعة، حين صادفت الترحيب لدى من يحبون أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، وتنحية القلب عن أداء رسالته هي السبب المباشر لكل هذه الآفات، ونعرف جميعا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله" وهو قول يوضح الأثر القيادي للقلب ومهمته في توجيه الحياة، وبإسعادها إذا صلح، وتعاستها إذا انتكس، وقائل هذا القول حكيم مفكر درس الواقع العملي دراسة هيأته إلى تشخيص الداء وتحديد الدواء.

وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم "القلوب أربعة قلب أجرد به سراج يزهر، فهو قلب المؤمن، وقلب أسود منكوس، فهو قلب الكافر، وقلب أَغلف مربوط على غلافه، فهو قلب المنافق، وقلب مُصفح فيه إيمان ونفاق، فالإيمان فيه كالبذرة يمدها الماء الطيب، والنفاق فيه كالقرحة، يمدها القيح والصديد، فأي المادتين غلبت عليه حكم له بها" وإن القلوب محجوبة في الأضلاع، ولكن صاحب النظر الثاقب يعرفها حق المعرفة، ويعلم أنها لا تلتقي في طريق واحد، وقد كشف الرسول عليه الصلاة والسلام عنها القناع حين قسمها إلى ضروب مختلفة، تقسيما نلمسه لمسا حين نخبر الناس عن فحص دقيق، فإذا وجدت إنسانا هادئ النفس، متفتح الأسارير، يفعل الخير وينطق بالتي هي أحسن.

فاعلم أنه صاحب القلب المؤمن، قلبه كالسراج الوضيء، يطرد عنه ظلمات الرجس، ويغمره بأضواء الطهر، وهو لذلك سعيد مطمئن، وإذا رأيت رجلا منقبض الأسارير دون ما داع، كز اليد والنفس، يضيق بمن يرى وما يرى ما لم يكن له فيهما مأرب، فاعلم أن بين أضالعه سوادا قاتما من الليل البهيم، فهو صاحب القلب الأسود المنكوس، وإذا رأيت من يتردد بين الخير والشر، لا لأنه يميل في بعض الأحيان إلى الخير بل لأنه يريد أن يثبت للناس أنه ذو فضل وإحسان، فهذا صاحب القلب الأغلف الذي ران النفاق على قلبه، وأما الصنف الرابع، فمنه من يجمع الإيمان والنفاق، لا لأنه يظهر غير ما يبطن كما رأينا في الصنف الثالث بل لأنه متردد إذا آمن مرة فعن صدق، وإذا جحد فعن صدق، فذلك الذي يجمع قلبه بين الماء العذب والصديد المتقيح، ولا يستقر على حال.

الكلمات المفتاحية رسالة القلب

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;