يبعث وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي صورة الدولة ومؤسساتها بصورة دؤوبة، وذلك من خلال دوره المهم واللافت باتجاه تعقب العناصر الفاسدة، أيّا كانت صفتهم وحجم نفوذهم المتوهم؛ حيث إنّ الغانمي يزلزل الأرض تحت أقدام هؤلاء الذين يحاولون إعادة إنتاج الفشل والدمار الذي سبق وأُلحق بالعراق، بشكل قسري. ومن ثم، فإنّ شخصيته الوطنية والمهنية التي تقف على النقيض من محاولات التصنيف والتسييّس، تسجل نموذجاً صلباً وقوياً يعصى على التغيير أو الخضوع لأيّة إغراءات غير المفهوم الوطني الذي يحاول تعميمه وفرضه، الأمر الذي يشكل تهديداً مستمراً لتاريخ (الفاسدين) الأسود.
ثمّة محاولات محمومة تجري وتلاحق وزير الداخلية، لجهة إعاقة التقدم الذي يحققه، ميدانياً وفي مجالات شتى، سواء ما يتصل بالجريمة أو الإرهاب، وكذا الأمن بمفاهيمه وأطره المتعددة والمعقدة، إذ إنّه يهدف إلى سلامة وتماسك الدولة، ومنع تفككها لحساب أطراف محليّة تقودها جهات خارجية. واللافت أنّ الغانمي يعمد إلى تصفية الفساد والعدوان الممنهج أحياناً على الدولة العراقية، والتي يجري فيها استخدام الآليات والأساليب اللاسلمية وغير النزيهة.
وفي ظل وجود الغانمي كشخصيّة تعمم مفهوم الولاء للوطن (العراقي)، والذي يخلد اسمه في الذاكرة الجمعية للعراقيين، فإنّه بذلك لن يكون بوسع ومقدور أيّ طرف أو جهة أو مؤسسة تغييبه عن المشهد، بل إنّه سيجدد تلقائياً حضوره المهم والمؤثر من خلال الرؤية الطموحة له ونشاطه الذي يعنى بالإدارة المهنية والوطنية للبلاد. هذه الخبرة التي يراكمها الغانمي تؤسس لبيئة نجاح تنبذ الإخفاق والفشل، ولا تعرف ثمّة مستحيل أو تحدِ يكسرها.
ربما، تتبادر لذهني أسئلة عديدة تبدو بديهية حول دوافع قوى الشر والعدوان للوقوف بين عجلات النجاح التي يديرها ويحركها الغانمي، لكن السؤال المركزي الذي يتردد بإلحاح هو أنّه كيف لا تدري هذه الأطراف المؤسسة للعنف وإهدار طاقة الدولة، أنّ النجاح الذي تحقق خلال إدارة الغانمي لوزارة الداخلية سوف يتجاوز تدابيرهم ومؤامرتهم الخبيثة، لطالما نجح عثمان الغانمي أن يتخطى المساحات الضيقة والمصالح الفئوية المحدودية، الحزبية والطائفية، ويضع نصب عينيه الوطن والمواطن منذ استلم الوزارة بميراثها الصعب والثقيل، بينما لم يتوان عن إحداث التعديل والتغيير والتصحيح، ومعالجة الأخطاب وتفادي الثغرات.
ومن بين الأمور التي نجح الغانمي في تحقيقها، على نحو مباشر، أنّه اصطف ووزارته مع الدولة بمؤسساتها وهيئاتها وكذا شخصياتها الوطنية، وجعل مرجعيته الوحيدة الدولة الوطنية، بما يعني فرض القانون وهيبة الدولة على الجميع دون استثناءات، وبالتالي، يتحقق أمن المواطن، الذي هو الهدف الرئيس. وهذا الأمر قد أزعج طبقة من المنتفعين والانتهازيين الذين تربحوا سياسياً ومالياً خلال لحظة تداعي وضعف الدولة.
لا تحمل تلك السطور سوى شهادة لما يعايشه المواطن العراقي في يومياته، وما يلامسه في واقعه، إذ أمسى لدينا وزير داخلية عراقي ينتمي عضويا للمؤسسة الأمنية، وذلك للمرة الأولى، منذ عام ٢٠٠٣، أيّ أنّه يحمل تقاليدها وقيمها وينفذ مبادئها بمهنية وأخلاقية، ترى المواطن العراقي كمواطن دون أيّ تصنيف.
وزير الداخلية عثمان الغانمي سوف يستأنف بالتأكيد مشروعه الإصلاحي، ويستكمل نجاحاته، وسوف يسانده العراقي أينما كان وحيثما حل. وأيّا منهما (المواطن والوزير) لا يحتاج إلى سرديات مديح، لكن هؤلاء الذين يشبهوننا، حضارة وثقافة ووطنية، يتعين علينا تخليدهم وتعميم مآثرهم، لملء الفجوات التي صنعها الفاسدون والحمقى والمنتفعون وتقوية مفاصل الدولة ومؤسساتها.