من يضحك أخيرا

من يضحك أخيرا

افعل الخير عندما تستطيع، واستخدم عقلك وبراعتك ضد استهتار الاخرين. الاحداث التافهة ان لم يكن لها معنى، والذكاء ان تحظى من هذا المعنى شيئا. الحكمة تسقط علينا من حيث لا نحتسب، ولا ينال ثمرها الا صاحب الادراك. ما من رجل سبق ايامه الا اضطر الى انتظارها في اماكن غير مريحة، ومن يستقرىء الاحداث قبل حدوثها، لن يكون هدفا للمفاجأة. الحكمة هي معرفة الامور التي يجب ان نتغاضى عنها علما بان الحقيقة وحدها لها وجه واحد. كثيرون يخلطون بين الغباء والعبط، والشيء اذا احتد وقع الضد، ولا يقف وسط الطريق فتدهس. فاقد الشيء لا يعطيه واحسن المصلحين هم الذين يبدأون بانفسهم، والشاطر هو من يضحك في اخر المطاف. الاخطاء تحدث نتيجة سوء فهم، والعلم من هذه الاخطاء ضمانة لعدم تكرارها، والانسان لا يذهب بعيدا جدا الا عندما لا يدري اين يذهب. الزيف هو الذي لا يمكن ان يكبر في الحقيقة، وشر الزيف ما نقض بعضه بعضا. فقد شاعت عبارة من يضحك اخيرا في ثقافتنا الاجتماعية وامثالنا الشعبية تعبيرا عن انتصار الذكي الدؤوب على المحتال والمراوغ، ولو شئنا استخدام مفردات حديثة لقلنا انه انتصار الاستراتيجية على التكتيك، والابدي على العابر واخيرا العمق على السطح.ما لم تقله الامثال هو من يبكي اخيرا ، هل هو الغراب الذي صاح من الجوع عند الغروب قائلا وبمعنى أدق ناعقا! آه على ذبابة!أم الذي سجل هدفا مبكرا على طريقة رب رمية من غير رامٍ واستغرقه الانتشاء بهذا النصر العابر فبكى اخيرا لان جسده اصبح هدفا ومرمى للسهام كلها، وقد أغمد رأسه في الرمل على طريقة النعامة؟

في الحروب عبر التاريخ لم تكن الجولة الاولى هي ما يحسم الحرب، وفي كل المبارزات كان الامر كذلك، والقوي الواثق هو من يوهم خصمه بسهولة الظفر ثم تنقلب المعادلة رأسا على عقب وهذه مناسبة لاستذكار حكاية من زمن الفروسية الذي اصبح فردوسا مفقودا في هذا العصر الذرائعي.

فقد علّم احد الفرسان تلميذا له الدروس كلها واحتفظ بدرس واحد فقط، لانه لمح في عيني التلميذ نذالة مبكرة وعقوقا قابلا للنمو، وذات يوم طلب الفارس من تلميذه ان يبارزه في ميدان عام، لكن التلميذ اعتذر لانه لا يليق باستاذه ان يُهزم، لكن الفارس أصر، وتقدم اليه تلميذه وهو واثق من النصر، فكانت المفاجأة، اذ سرعان ما طرح ارضا وانتصر الفارس، وحين سئل عن سر قوته التي تحدّت العُمر أجاب: بان هناك درسا ادخره لنفسه ولم يعلمه لتلميذه لانه ادرك مبكرا انه لن يكون أمينا، وكان هذا سبب ظفره المفاجىء.

ربما بسبب حادثة كهذه قال الشاعر أعلمه الرماية كل يوم- ولما اشتدّ ساعده رماني لكن مفارقات التاريخ والوجود كله هي في تحويل ما هو سبب للانتصار الى سبب للهزيمة، وتحويل العقبة الى رافعة، والضارة الى نافعة.كم نحن محظوظون كبشر بمن نكتشف معدنهم مبكرا وقبل التوغل في الرهان فليس كل ما يلمع ذهبا خصوصا في زمن الذهب الصيني والروسي الذي ينصحنا العلماء بالاقلاع عنه لانه يسبب انواعا من السرطان. واكتشاف معادن الناس اشبه باكتشاف الداء الخبيث مبكرا حيث يمكن علاجه والسيطرة عليه بل استئصاله كي لا ينتشر. إذن هناك من يبكي اخيرا مقابل من يضحك اخيرا، فالسلحفاة في امثالنا أخرجت لسانها للارنب في سباق المسافات الطويلة.لهذا دعوا من يضحك اولا يقهقه حتى يستلقي على ظهره، فهو على موعد مع بكاء، لا يليق به غير نعيق الغراب الذي بكى جوعا على ذبابة!!

الكلمات المفتاحية

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;