الإسلام يقرر حقيقة أن المُلك لله وليس لأحد ملك خارج عنه إذ الأرض ومن فيها لله وحده، وأن المال أيضا ملك لله سبحانه وتعالى، غير أن الله تبارك وتعالى قد جعل للإنسان ولاية على ذلك المال وملكا مجازيا له، وجعله مستخلفا فيه وقائما عليه، غير أن هذه الملكية وهذا الاستخلاف من أجل أن يستعين العبد على طاعة الله عز وجل والإنفاق فيها، فإن هذه الدنيا وسيلة وليست غاية في ذاتها، فهي تبلغه الآخرة، ولقد راعى الإسلام في نظامه الاقتصادي الأخلاق الفاضلة، فقد حرّم كسب المال من السرقة والغصب، وحرّم إنماءه من الغش والغرر بالناس، وحرم صرفه في الفواحش والمنكرات، بل حث على كسبه من الحلال، وتنميته بالحلال، وإنفاقه فيما يرضي الله تعالى.
وكذلك مسألة الأخلاق ومنها ما تركه الإسلام للأفراد مثل مراعاة الأمانة والصدق، ومنها ما للدولة، فتدخل الدولة لتقويم نشاط الفرد الاقتصادي، كما إذا تاجر بالخمور، وأيضا تحفيز الإسلام إلي العمل والإنتاج، فإن ارتفاع الأمم وهبوطها، وبقاءها واندثارها يرتبط ارتباطا كبيرا بعمل أبنائها وتطلعاتهم واهتماماتهم، فلن ترتقي أمة يميل أبناؤها إلى الدّعة والراحة والسكون، ويؤثرون على العمل الجاد الذي يسهم في بناء الأمة ، وإن نهضة الأمم والشعوب ورقيها وسيادتها وسعادتها تتوقف على تقدمها في مجال العلم والعمل، وبهما تبني الأمم أمجادها فلا تبنى الأمجاد على البطالة والجهل والفقر والمرض، ورحم الله من قال بالعلم والمال يبنى الناس ملكهم لم يبنى ملك على جهل وإقلال.
وبالعمل والاحتراف المتقن تتبوأ الشعوب الصدارة بين الأمم، والله سبحانه وتعالى يحب اليد التي تعمل وتجتهد لتقدم الخير لنفسها ووطنها ودينها، والمؤمن المحترف يحبه الله ورسوله جزاء ما قدم، ومن أحبه الله ورسوله هداه الله واجتباه وحفظه ووقاه وجعله من أوليائه وأدخله في رحمته فيسعد في الدنيا والآخرة، ولقد حفز النبي صلي الله عليه وسلم علي العمل والإعمار مهما كان حجمه، والإعمار والإحياء إما بالزرع أو حفر الآبار،أو بالبناء عليها، كبناء المصانع، والشركات المنتجة لما يلزم للناس، ونحو ذلك، ولقد أخبرنا النبي صلي الله عليه وسلم أن العمل الجاد يسبب محبة الله تعالى لتلك الأيادى، منها يد الفلاح في حقله، والعامل في مصنعه، والعالم في محرابه.
والمعلم في معهده، والطبيب في عيادته، وغيرهم من رجال يسهرون على راحتنا، وهؤلاء لهم ثواب عظيم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول "من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له" رواه الطبراني، وقوله صلي الله عليه وسلم "إن الله يحب المؤمن المحترف" والعمل الجاد مكفر للذنوب ومطهر للآثام فقال صلى الله عليه وسلم "من بات كالا من عمله بات مغفورا له" وبالإضافة إلي ذلك حث ورغب في إتقان العمل وإحسانه فقال صلى الله عليه وسلم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" إن كلمة عملا في الحديث جاءت مطلقة من غير تحديد لنوع معين من الأعمال يجب الاهتمام به والإحسان فيه دون غيره لتشمل أعمال الدنيا والآخرة.
وإن الحضارة الإسلامية جزء مهم من الحضارات التي مرت على البشرية منذ بداية التاريخ، وتتميز بأنها الحضارة الوحيدة التي دمجت بين الجانب المادي والروحي في حياة الإنسان، كما أن الحضارة الإسلامية بنيت على أسس راسخة ومبادئ مهمة، ومن العوامل التي تسهم في قيام الحضارات الإسلامية هي أن الحضارة الإسلامية ركزت على الجانب الأخلاقي في مظاهر الحياة بمختلف أنواعها، على سبيل المثال أنها شكلت الحضارة الإسلامية محور العملية التجارية تحت هيئة الحسبة، والتي مهمتها مراقبة الأسواق ومحاسبة التجار على التدليس والغش في المكيال، وقد اهتمت الحضارة الإسلامية بالبحث العلمي.