إن أهل الجنة قلوبهم على قلب رجل واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، يسبحون الله بكرة وعشيا، لا يسقمون فيها ولا يموتون، ولا ينزفون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمنون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، آنيتهم من الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ ، مِنَ الْحُسْنِ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا " رواه البخارى .
هل في الجنة مراكب؟ نعم نحن في هذا الزمان نحب أن نركب السيارات الفاخرة ، وترى الواحد منا يركب الدين تلو الدين حتى يشتري سيارة آخر موديل ، ثم تراه في الغد يسوق السيارة إلى الورش الصناعية ، أو تسوقه حمانا الله وإياكم إلى الحوادث والأخطار ، ونعيم الدنيا مشوب بالشقاء ، ليس له صفاء ، ليس له بقاء ، وأما نعيم الآخرة فاستمع إلى هذا الرجل الذي سأل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من خيل؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تحمل على فرس من ياقوتة حمراء تطير بك في الجنة حيث شئت إلا كان ، ثم جاء آخر فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من إبل؟ ، فأجابه صلى الله عليه وسلم بجواب يعم جميع المركوبات فقال : إن يدخلْك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك " . رواه الترمذي
وأما نساء أهل الجنة فلسن كنساء الدنيا ، ألم تسمع قول الله تعالى (ولهم فيها أزواج مطهرة) ، مطهرة من الحيض والنفاس ، ومن البول والغائط والمخاط والبصاق وسائر الأنجاس ، فيا من انتهك حرمات رب العالمين ، إياك أن تبيع الحور العين ببنات الطين ، وغض بصرك عن السفور ، واحفظ فرجك عن الفجور ، وقدم العفة مهراً للحور ، فقال سبحانه : (وزوجناهم بحور عين) والحوراء هى الشابة الجميلة البيضاء ، شديدة سواد العين ، شديدة بياضها ، والعيناء هى واسعة العينين ، وقال الله تعالى : (كأمثال اللؤلؤ المكنون) (كأنهن الياقوت والمرجان) كأن الحورية الياقوت في صفائه ، والمرجان في حسن بياضه .
وقال سبحانه (فيهن خيرات حسان) خيرات الأخلاق ، حسان الوجوه ، جمع الله لهن الجمال الحسي والجمال المعنوي ، فما رأيكم لو أن امرأة واحدة من الحور العين أطلت علينا في سمائنا ، ماذا يحدث في هذا الكون؟ فاستمع إلى الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصف هذا المشهد ويقول " لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً (أي ما بين المشرق والمغرب يعج بريحها الطيب ) ، قال : ولأضاءت ما بينهما " ليس لأنوار الأرض مكان ، ليس للشمس مكان عند نور الحورية " ، قال : ولنصيفها على رأسها " أي خمارها " خير من الدنيا وما فيها " رواه البخار .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين ، على كل واحدة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من وراء اللحم " رواه أحمد ، أى لو ضحكت في وجه زوجها لأضاءت الجنة من نور مبسمها ، ولو بزقت في ماء البحر لجعلته عذباً زلالاً من حلاوة لعابها ، وينظر إلى وجهه في خدها أصفى من المرآة
وإنَّ أصفَى ساعاتِ المسلم وأفضلَها وأرقى درجاتِه أن يستوليَ على قلبه الطمَعُ في الجنةِ والخوفُ من النار، وقد كان السّلفُ الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم يغلِب على قلوبهم الخوفُ من النّار والطمعُ في الجنّة في كلِّ أوقاتهم وأحوالهم، فصَلَحت أعمَالُهم واستقامَت لهم أمورهم ، فهذا عبدُ الله بنُ رواحة رضي الله عنه من القادة الشهداء يودِّع أصحابَه في غزوةِ مؤتَة فيبكِي؛ ويقال له: ما يبكِيك؟ فقال: والله، ما أبكي صَبابةً بِكم ولاَ جزَعًا على الدّنيا، ولكنْ ذكَرتُ قولَ الله تعالى: ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ) فكيف لي بالصَّدرِ بعد الورود؟ وهذا عُمير بن الحمام رضي الله عنه لما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ بَدر: " قوموا إلى جنّةٍ عرضُها السموات والأرض، كان في يدِه تمراتٌ " ، فرمى بهنّ وقال: " لئِن بقيتُ حتى آكلَ تمراتي هذه إنها لحياةٌ طَويلة، فقاتل حتى قُتِل". رواه مسلم وهذا أنسُ بن النّضر رضي الله عنه قال: "إني لأجِدُ ريحَ الجنّةِ مِن دونِ أُحُد، فقاتل في غزوة أحد حتى قُتل".
ألا وإن أعظم ما في الجنة من النعيم ، التمتعُ برؤية وجه الله الكريم ، فبينما أهل الجنة في نعيمهم إذ بالمنادي ينادي : يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحي على زيارته، فيقولون: سمعًا وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين ، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعدًا وجمعوا هنالك فلم يغادر الداعي منهم أحدًا، أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنُصب هناك ، ثم نصبت لهم منابرُ من لؤلؤ ومنابرُ من نور، ومنابرُ من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ، وجلس أدناهم وحاشاهم أن يكون فيهم دني على كثبان المسك ، ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا ، حتى إذا استقروا في مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى منادٍ:
يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزَكموه فيقولون: ما هو؟
ألم يُبيضْ وجوهنا ويُثقلْ موازيننا، ويُدخلْنا الجنة ويُزحزحْنا عن النار ، فبينما هم كذلك إذا سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، فلا تُرد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة.
فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟ فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة، أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لما أسكنتكم جنتي ، هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف لهم الرب جل جلاله عنه الحجب ويتبدى لهم فيغشاهم من نوره ما لو لا أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحدٌ إلا حاضره ربه تبارك وتعالى محاضرة حتى إنه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى، بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
وإنَّ الطّمَعَ في الجنّة قائِد، وإنَّ الخَوفَ من النّار زاجِرٌ وسائق ، والجنّةُ حُقَّ أن يطلبَها المسلمُ باذلًا جُهدَه، لأن فيها الخلود في النعيم ، ففيها ما لا عينٌ رأَت ولا أذُنٌ سمعَت ولا خطَر على قَلبِ بَشَر، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا هَل مشمِّرٌ للجنة، فإنّ الجنةَ لا خَطَر لها، هي ، ورَبُّ الكعبةِ ، نورٌ يتلألأ؛ وريحانَةٌ تهتزّ، وقَصرٌ مَشيد ، ونهرٌ مُطَّرِد ، وثمرةٌ نضيجَة ، وزوجةٌ حسناءُ جميلة ، وحُلَلٌ كثيرة ، ومَقامٌ في أبَد ، في دارٍ سليمَة ، وفَاكهةٍ وخُضرةً وحَبرةٍ ونِعمَة ، في محَلَّةٍ عالية بهيَّة، قالوا: نعَم يا رسولَ الله، نحن المشمِّرون لها، قال: قولوا: إن شاءَ الله، فقال القوم: إن شاء الله" رواه ابن حبان .