داء الوهم والسراب بين العقول

داء الوهم والسراب بين العقول

الوهم داءٌ يصعب التدخل لكبح جماحه إلا من الواهم نفسه فرداً كان أو مجتمعاً ، وهل هذا عيب فينا ام عيبا في الذي نبحث عنه ونجري وراه ، ومما لاشك فيه انه يكون العيب في من يجري وراء سراب ووراء خيط دخان ، ولو فكرنا قليلا سنجد اننا نحن المخطئون وليس السراب الذي كنا نقدس حياتنا من اجله ، هكذا لابد ان نتعلم ونتعلم ولانقف مكتفين الايدي تاركين حياتنا لهذا السراب الذي لاوجود له في حياتنا .

وأما الحقيقه فهى عندما تدق الساعة، سنرى حقاً أن الحياة حلم بعيد عن الخيال ، هى حلم حقيقي وبالحقيقة التي لن يستطيع أحد الهروب منها ، فمااجمل ان نعيش الحقيقه بحلوها ومرها ، ولابد ان نعيشها لابد ان نعيش واقعنا هذه هي الحقيقه التي لابد ان ندركها ولانغيب عنها ، ولابد ان ناخذ في عين الاعتبار عن الواقع الذي نعيشه ، فهذه هي حياتنا وهذا هو الواقع وهذه هي الحياه.

إننا نعيش في زمنٍ حَجبت فيه سحب الأوهام شمس الحقيقة إلا ما شاء الله، زمنٍ ادلهمت فيه الخطوب؛ فغيَّب لجلجها وجوه الحقائق؛ فاشتكت المجتمعات والأفراد غلبة الوهم ومُر طعناته في بدن المجتمع المسلم حتى أصبحت الحقيقة ضالة قلَّ من يهتدي إليها؛ فبلغ في الناس ذهولاً رأوا من خلاله أنهم بحاجة إلى جرعات من الوهم بين حين وآخر؛ ليتلهي الواهم عن منغصات حياته، بل أخذ البعض منهم يصنع أسواقاً للوهم يتكاثر زوارها؛ فيرون أن دخول هذه السوق أمتع من فتح عيونهم على حقائق مرة ربما لعق البعض منهم شهد الوهم الزائف؛ ليطفىء به مرارة الحقيقة.

وإن كل إنسان على هذه الأرض له آمال وتطلعات، وهمم وأحلام يتحسس تواجدها في حياته، يستوي في ذلكم الصغير والكبير، والغني الفقير، والذكر والأنثى؛ ذلك لأن الأحلام والآمال ليست حكراً على أحد دون أحد، ولو استطاع أحد أن يقيد أحداً جسدياً فإنه لن يملك تقييده خيالياً، بل لا يملك أحد ومهما بلغت قوته وسطوته أن يوقف لك حلماً، أو يمنعك منه، أو يحاسبك عليه ما دام يدور بخلدك ويحلق داخل فكرك.

إذن ليس عيباً ولا جريمة أن تكون ممن تتجاذبه هذه الأمور بين الحين والآخر، غير أن العيب كل العيب والشين كل الشين أن يكون طابع الآمال والأحلام مجرد أوهام لا غير؛ سواء أكانت أوهاماً في الرغبة أو في الرهبة، في الرجاء أو في الخوف.

ذلكم أن الوهم تارةً يكون مرآة المنغصات ومزكي المرعبات، وتارة يكون محلاً للأنس والمسرات وهو في جميع أحواله حجاب الحقيقة، وعكس الواقع، وغشاء على عين البصيرة، على الرغم من أن له سلطاناً على الإرادة، وحكماً على العزيمة، وشيوعاً ذريعاً في أوساط القَعَدة والمتهورين، وحينئذ لا تعجبوا من كون الوهم يمثل القوي ضعيفاً، والضعيف قوياً، والقريب بعيداً، والبعيد قريباً.

والوهم يصيب المجتمع جملة؛ فإنه كذلك يصيب الأفراد وينال منهم، وهل المجتمع إلا كم من الأفراد؟ ولقد أصيب الكثيرون بالأوهام واستسلموا لها؛ فحطمت نفوسهم واغتالت أحلامهم، فإذا ما رغب المرء شيئاً أغراه الوهم بأنه أهل له، وأن تحقيقه من اليسر والسهولة كاستنشاق الهواء وشرب الماء؛ فيعمي الراغب عن حقيقة قدراته النفسية والمادية والدينية؛ فيعيش أحلام الذكاء وهو من أغبى الناس، ويلبس جبة الزهد وهو من أسرف الناس، يلاعب أطياف السعادة وهو أشقى ما يكون من حال، قد اختل عنده معيار السعادة والتدين والشهرة والشجاعة والكرم؛ ليصبح مشهوراً في عزلته، شجاعاً في ضعفه، كريماً في بخله.

وإذا ما خاف المرء شيئاً؛ لاح له الموت كاملاً في كل أفق؛ فيفرق من الحمل يحسبه حية، ويرى كل سوداء فحمة وكل بيضاء شحمة، ويستسمن ذا الورم فإذا ما عطس قال هذه عين ولو كان مزكوما، وإذا ما أخفق في عمله أو دراسته أو علمه قال: هذه عين ولو كان أغبى الناس وأكسلهم، ونسي ما حققه أذكياء الأمة وأعلامهم؛ حيث لم تسيطر عليهم الأوهام، ولم تكن كابوساً يقض مضاجعهم.

وترى أن الإنسان سعى في الدنيا بطول دروبها، وتشعب شعابها، بصعودها وهبوطها، أخذته احتضنته، غرته بالحسن والجمال، انبهر بها، شرب كأسَها حتى الثُّمالة، أعطاها كل ذرة من ذرات الكيان المادي، وكل نبضة من نبض الكيان الروحي، مشتْ به معصوبَ العينين، مكممَ الفم، مسلوبَ الإرادة، ليفيقَ على صدمة تزلزلت لها أنفاسُ الوجود، وأدمى لها الوجد، وسكب الأنهار.

ماذا يُجدِي الآن أمام هذا الطوفان؟ يشعر بالمرارة والغصة تملأ حَنجرته، أيُعقَل أن يكون غافلاً عن كل هذا؟ أيُسرَق عمره دون أن يشعر، أم استمالتْه الأيامُ بحسنها الخادع؟! لقد تعرى اليوم أمام ذاته، لتظهر المساوئ على اختلافها، أين كانت؟! ولِمَ بدت بهذا القبح المنفِّر؟!

يتمنَّى أنه لم يأتِ هذا اليوم، ولا هذه اللحظات، اعتقد بوهمِه أن الآلام والأحزان التي مرَّ بها لم يمر بها إنسان، ولا يوجد لها مثيل، ليتفاجأ اليوم بهذا الواقع، ولينظر لهذا الضيفِ الذي شكَّ أنه لن ولا يوجد لها مثيل، ليتفاجأ اليوم بهذا الواقع، ولينظر لهذا الضيفِ الذي شك أنه لن يأتي أبدًا .

فتقلب في غياهب الزمان، وأروقة السنين، ولحظات الأيام، ليقف اليوم أمام هذا القادم من دنيا الغيوب، ليضمه في حرارة المشتاق، ويمطره بوابل من القُبَل، ويربت على ظهره طويلاً، ثم يجلس وظهرُه إليه، ويشير عليه بالركوب، فلا يملك إلا أن يركب، لينطلق به ويطبق عليهما الفضاء، وتتماسك الغيوم السوداء، وينعق البوم فوق المشارف، وتتدفق الأنهار المشرئبة، وتضيق المحاجر، وتنطلق الدماء، وتصرخ: واهمٌ مَن أيقن الخلود، ونصب خيام البقاء، واهم، واهم!

والإنسان يَخاف ويقلق من المجهول؛ لأنه أقرب للضَّعف من القوة بطبيعته كبشر، وهنا يأتي الدور الحقيقي للإيمان الرَّاسخ؛ بالتوكُّل على الله القادرِ على كلِّ شيء، والمتصرِّف بالأقدار لحِكمه، فيصيبُ مَن يشاء ويصرف السوءَ عمَّن يشاء سبحانه.

ومن هنا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " يا غلام، إنِّي أعلِّمُك كلمات: احفظ اللهَ يحفظك، احفظ اللهَ تجده تجاهك...، واعلم أنَّ الأمَّة لو اجتمعَت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلَّا بشيء قد كتَبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء، لم يَضروك إلَّا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعَت الأقلام، وجفَّت الصُّحف " .

الكلمات المفتاحية جاء السراب العقول

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;