وصلنا وأقتربنا الى خير يوم طلعت فيه الشمس وهو يوم عرفه وإن مِن أعظم الأعمال الصالحة التي تتميز بها هذه الأيام لغير الحاج صيام يوم عرفة والذي يكفر سنتين، فما أيسره! وما أعظمه من أجر! والمحروم من حرمه الله ثم من الأعمال التي تتميز بها هذه الأيام الأضحية، وهي من العبادات المشروعة في كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين، فالله تعالى يقول: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ..
والأضاحى هي سنة أبينا ونبينا الخليل إبراهيم عليه السلام وقد ضحى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، اقرنين، ذبحهما بيده، وسمي وكبر ووضع رجله على صفاحهما وقال اللهم هذا عن محمد وعن آل بيت محمد وذبح الثانى وقال واللهم هذا عن فقراء أمتى ..
وقد اختلف أهل العلم فى الأضحيه هل الأضحية واجبة أم سنة؟؟؟ والجمهور على أنها سنة مؤكدة؛ لكن صرح كثير منهم بأن تركها يكره للقادر، وقال بعضهم: لو تركها أهل بلد قوتلوا عليها؛ لأنها من شعائر الإسلام، وقد قال صلى الله عليه وسلم-: "مَن كان له سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا".
وفى هذه الأيام نجد كثير من الناس يغفل عن استشعار عظمة ذبح الأضحية والهدي وأنه يبخل على نفسه واذا ضحى يأتى بأضحيه هزيله رخيصه ولم يضحى بشئ جيد وجل ما يقدر عليه من ذلك النوع، وأعلاه وأغلاه ثمنا، فليعلم إنه لن يناله عز وجل لحومُها ولا دماؤها وإنما يناله تقوى العبد منه، ومحبته له، وإيثاره بالتقرب إليه بأحب شيء إلى العبد، وآثره عنده، وأنفَسه لديه .
والله تعالى يقول (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) سورة الحج والمقصود هنا هو ليس المقصود منها ذبحها فقط، ولا ينال الله من لحومها ولا دمائها شيء لكونه هو الغني الحميد، وإنما يناله الإخلاص فيها والاحتساب والنية الصالحة…
ولما نزل قوله تعالى: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ جاء أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أكثر الصحابة مالًا، وأنفس ماله حديقة بيرحاء فقال: يا رسول، أن احب أموالي إلي بيرحاء وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال رسول الله: بخ بخ ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة بين ثلاثة من أقاربه وبني عمه فارشده إلى توزيع غلتها على الفقراء من أقاربه .
والإخلاص في النحر، وأن يكون قصد وجه الله وحده، لا فخرا ولا رياء ولا سمعة ولا مجرد عادة، وهكذا سائر العبادات، إن لم يقترن بها الإخلاص وتقوى الله كانت كالقشر الذي لا لب فيه، والجسد الذي لا روح فيه.
وفي قصة الأضحية دروس وعبر في التضحية وسرعة الاستجابة لله، فلما اوحى الله إلى خليله إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه امتثل واستشار ابنه اسماعيل فأجاب، وطرحه للذبح وأسلما لله في القصد والعمل، ففداه الله بذِبح عظيم، وأبقى سنة الأضحية في الملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية تذكارا بهذا العمل العظيم، والإسلام الصادق لرب العالمين؛ ليتعلم المسلمون التضحية لله بالنفس والنفيس، وليعلموا أن المسلم من صدق قوله فعله، ومَن إذا جاء أمر الله كان لله كله.
ولنعلم أن من الأضحية حقيقة الاستجابة لله ولرسوله، اسأل نفسك إذا قيل لك قال الله وقال رسوله عن مدى امتثالك للأمر؟ وهل يقع في نفسك تردد وتلكؤ؟ وهل تُقدم حق الله على حق النفس وشهواتها؟ هنا تتضح حقيقة الإسلام الذي هو الاستسلام لله..
ونتعلم أيضا من الأضحية حقيقة التضحية، فهل الله ورسوله أحب إليك من نفسك وحظوظها؟ هل أنت على استعداد أن تضحي بنفسك في سبيل الله؟ هل تقدم نفسك ومالك وولدك من أجل دينك؟
وتأمل هذه المعاني الجميلة وأنت تذبح أضحيتك خاصة في مثل هذا الزمن الذي كثرت فيه الأهواء والشهوات، وتذكر دائما قصة الاضحية وإبراهيم واسماعيل عليهما السلام ..
والأضحية من بهيمة الأنعام: إما من الإبل أو البقر أو الضأن أو الماعز على اختلاف أصنافها، ولا تجزئ إلا بشرطين: أن تبلغ السن المعتبر شرعاً، وأن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء فأما السن ففي الإبل خمس سنين، والبقر سنتان، والماعز سنة، والضأن نصف سنة.
وأما العيوب التي تمنع من الإجزاء فقد بينها النبي حيث قال: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بَيِّنٌ عورها، والمريضة بين مرضها، والعرجاء بين ظلعها، والكسير التي لا تنقى".
فالأولى العوراء البين عورها وهي التي انخسفت عينها أو برزت، فإن كانت عوراء ولكن عورها غير بين اجزأَتْ، والسليمة من ذلك أولى.
الثانية: المريضة البين مرضها: وهي التي ظهر عليها آثار المرض مثل الحمى التي تُقعدها عن المرعى، ومثل الجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحتها، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضا بينا، فإن كان فيها كسل أو فتور لا يمنعها من المرعى والأكل أجزأها، لكن السلامة منه أولى.
والثالثة العرجاء البين ظلعها: وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى، فإن كان فيها عرج يسير لا يمنعها من معانقة السليمة أجزأت، والسلامة منه أولى.
الرابعة: الكسيرة أو العجفاء يعني الهزيلة التي لا تنقي، أي ليس فيها مخ، فإن كانت هزيلة فيها مخ أو كسيرة فيها مخ أجزأت… والسمينة السليمة أولى.
هذه هي العيوب الأربعة المنصوص عليها، وعليها أهل العلم، في المغني: أما العيوب الأربعة الأولى لا نعلم بين أهل العلم خلافاً بأنها تمنع الإجزاء.
ويلحق بهذه الأربعة ما كان بمعناها أو أولى فالعمياء التي لا تبصر بعينيها؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العوراء البين عورها، فأما العشواء التي تبصر بالنهار ولا تبصر في الليل فصرح الشافعي بأنها تجزئ؛ لأن ذلك ليس عورا بينا ولا عمى بينا يؤثر في رعيها ونموها؛ لكن السلامة منه أولى.
والمبشومة حتى تثلط، لأن البشم عارض خطير كالمرض البين فإذا ثلطت زال خطرها وأجزأت إن لم يحدث لها بذلك مرض بين.
وما أخذتها الولادة حتى تنجب؛ لأن ذلك خطر قد يؤدي بحياتها فأشبه المرض البين.
وما أصابها سبب الموت كالمخنوقة والموقذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع؛ لأن ذلك أولى بعدم الإجزاء من المريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها.
والزَّمْنَى، وهي العاجزة عن المشي لعاهة؛ لأنها أولى بعدم الاجزاء من العرجاء البين ظلعها؛ فأما العاجزة عن المشي بسمن فصرح المالكية بأنها تجزئ لأنه لا عاهة فيها ولا نقص في لحمها.
ومقطوعة احدى اليدين أو الرجلين؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها، ولأنها ناقصة بعضو مقصود فأشبهت ما قطعت إليتيها.
هذه هي العيوب المانعة من الاجزاء وهي عشرة، أربعة منها بالنص وستة بالقياس، فمتى وجد واحد منها في بهيمة لم تجز الضحية لفقد أحد الشروط وهو السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء.
وهناك آداب فى ذبح الأضحيه ومنها استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح والاحسان إلى الذبيحة بعمل كل ما يريحها عند الذبح، بأن يكون الذبح بآلة حادة، وأن يُمِرها على محل الذبح بقوة وسرعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله كتب الاحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإن ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته".
وأن ينحر الابل قائمة معقولة يدها اليسرى، فان لم يتيسر له نحرها قائمه جاز له نحرها باركة إذا اتى بما يجب في الزكاة لحصول المقصود بذلك.
وأن يذبح غير الابل مضجعه على جنبها، ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها
ويكون الإضجاع على الجنب الايسر لأنه أسهل للذبح فان كان الذابح أعسر وكان الأيسر له أن يضجعها على الجنب الأيمن فلا بأس أن يضجعها عليه لأن المهم راحة الذبيحة، وينبغى أن يمسك برأسها ويرفعه قليلا ليبين محل الذبح، وأما الإمساك بيدي الذبيحة ورجليها عند ذبحها لئلا تتحرك ..
وعرض الماء عليها عند الذبح، وقد ذكره بعض الشافعية ولم يذكروا دليله، ولم يعلم له أصل، ولكن لو علم أنها تطلب الماء مثل أنها ترى الماء فتحاول الذهاب إليه فلا ينبغي منعها منه حينئذ.
وأن يواري ويستر عنها السكين بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها وزيادة التكبير بعد التسمية، فيقول: "بسم الله والله أكبر" وأن يسمي عند ذبح الأضحية مَن هي له، لحديث جابر رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلَّى، فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتى بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "بسم الله والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضح من أمتى".
وأن يدعو عند ذبح الأضحية بالقبول، لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد"، ثم ضحى به صلى الله عليه وسلم.
ولنعلم جميعا إن بذل الأموال في الأضاحي أفضل من الصدقة بها، وإن الأضحية سنة مؤكدة جدا لمن يقدر عليها، فضحوا عن أنفسكم وأهليكم من الزوجات والأولاد والوالدين ليحصل الأجر العظيم للجميع، وتقتدوا بنبيكم، حيث ضحى عن نفسه وأهل بيته.
ولقد كان بعض الناس يحرم نفسه ويتحجر فضل ربه حيث يضحي عن والديه فقط ويدع نفسه وأهله وذريته، والأولى أن يضحي عن الجميع، وفضل الله واسع، وهذا فيما يضحي به الانسان عن نفسه.
أما الوصايا فيمشي فيها على نص الوصية، وبعض العوام إذا أراد أن يعين الأضحية أي يسميها لمن هي له يمسح ظهرها من وجهها إلى قفاها، والمشروع في تعيين الأضحية أن يعينها عند ذبحها باللفظ من غير مسح عليها كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو ذبحها بالنية من غير تلفظ باسم من هي له أجزأت نيته.
ويستحب أن يجعل الهدي والأضحية أثلاثاً، يأكل ثلاثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث ففي صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السؤال بالثلث وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه بعث بهدى وقال: كل أنت وأصحابك ثلثاً، وتصدق بثلث، وابعث إلى آل عتبة ثلثاً ...
ويقول الله عز وجل فى كتابه الكريم ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾ سورة لقمان ..