لم تكن هذه المرة هي المرة الأولى التي أحاول فيها أن أكتب عن عملاق من عمالقة الثورة, ودرع صلب من دروع الوطن, لقد حاولت مرات ومرات أن أكتب على صفحات الضياء التي صنعها هذا الرجل بأفعاله, لكنني كنت أشعر بأني لست في مقام الكتابة عن شخص أعطى الوطن أغلى ما يملك, ووقف إلى جانب قضيتنا ولم يتنازل عن شبر من أرضنا كان كالطود الشامخ الذي لا تزيده الأيام إلا ثباتاً ورسوخاً, لكن هذه المرة أبى قلمي إلا أن يغامر بما تجود به ذاكرته ليخوض بحراً من بحار الشجاعة، ويكتب عن عملاق من عمالقة الثورة, وعلم من أعلام القضية الفلسطينية الشامخة, ليكتب عن القائد العظيم, والرمز الحكيم, عن قائد بوزن دولة, وعقلية سياسي مخضرم, عن مناضل جسور, ووطني غيور, عرفته فلسطين حكيماً سديد الرأي موفق المشورة.
أخطي قلمي عن الدكتور صائب عريقات (أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) هذا القائد الوطني الكبير الذي حاز على الاحترام والتقدير من أبناء شعبه كما في المحافل العربية والدولية الرسمية والشعبية، بل هو حديث الشارع بعد ظهوره في حوار تلفزيوني لبرنامج "أول مرة" مع الإعلامي طوني خليفة والذي كشف عن جانب من حياته الشخصية.
من هنا أهمية التقييم الموضوعي لدوره فهو الصادق والأمين بقضايا شعبه في صعودها إلى الأمام دون أي تطلع للتمجيد أو العبادة الشخصية أو المصالح الأنانية أو الاستزلام والفساد، وهي أمور أو صفات ازعم أن الدكتور صائب عريقات كان حريصاً طوال تاريخه ان يظل أميناً لمصالح شعبه دون أي اقتراب منه نحو المصالح الخاصة تحت أي ظرف من الظروف.
الدكتور صائب عريقات قائد تاريخي تشهد له الجبال والساحات النضال السياسية والمحافل الدولية ولنضاله الثوري والسياسي، بطل أشعل ثورته وناضل ضد الاستبداد ،وكسياسي ناجح دافع عن حقوق شعبنا الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، رغم محاولات طمس الهوية والوجود، كرس حياته من أجل قضية شعبه العادلة .
أن شخصيتة مستقلة بذاتها، شخصية هي عصارة ناضجة من تجارب الحياة, ودرع من دروع الثورة, لا تزيدها الأيام إلا صلابة في الموقف, وإخلاصاً لوطن لم يتاجر في قضاياه يوماً من الأيام, شخص تمنحه الأيام مع بزوغ كل فجر جديد, شهادة وفاء ووثيقة عرفان, وتضع على صدره وسام شرف لمواقفه التي لا ينكرها إلا جاحد, أو صاحب حقد بعينيه رمد لا يرى إلا ما يوافق هواه, ويخدم مصالحه.
الرجل الذي عرفه العالم مناصراً ومؤيداً ومحارباً عن قضايا شعبه , لا يعرف علو منزلته, وشرف نضاله, وسعة حكمته، وحسن تصرفه, إلا من قرأ صفحات مسيرته, وتتبع حياته النضالية, ويكفي ان يقف المرء أمام الأحداث المتتالية محطات شعبنا الفلسطيني , ليتبين له كم هو الرجل محباً لوطنه.
ويعد نموذجا في الحكمة والدبلوماسية بالتعامل مع أصعب المواقف، لم يتهاون أبدا بشان أي أمر يتعلق فيه مساس بأمن فلسطين واستقرارها، ولم يبخل أبدا بأي جهد أو عطاء في خدمة بلاده، فكان حازم بقراراته اتجاه قضيتنا وطرحها في المحافل الدولية ولم يتنازل عن ذرة تراب خلال مفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي.
إن الدكتور صائب عريقات رجل لا يفرط بالثوابت الوطنية, وشخص استطاع أن يشق طريقه في مختلف الظروف السياسية، وأن يبحر ويتخطى الأمواج والعواصف, وقد تظل الكلمات التي تكتب نفسها عنه, حائرة وعاجزة عن أن تخوض بحر شجاعته, وتغوص أعماقه لتستخرج منه درة ثمينة المقال, فهي أكبر من أن يكتب عنها شخص مثلي، وهي أوسع أن تتسع لها مجلدات.