هى ليلة ذات قدر، أنـزل فيها كتاب ذي قـدر، على يدي ملك ذي قـدر، إلى رسول ذي قـدر، لأمة ذات قـدر . القدر هو الشأن العظيم والمنزلة، وسمت ليلة القدر بهذا الإسم لإرتباطها نزول القرآن الكريم فيها "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" - سورة القدر وفضل هذه الليله عظيم كما ذكر النبي صلي الله عليه وسلم أن "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه البخاري. وأن ثواب هذه الليلة وحدها يذيد عن ثواب الف شهر كما قال تعالى "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" - سورة القدر. وإن ثواب هذه الليلة المباركة يفوق ثواب الألف شهر بكثير وقد استخدم الرقم ألف هنا لأن رب العزة جل وعلا في القرآن الكريم كان يخاطب العرب بلغتهم ومعرفتهم بالأرقام، وقد كان الرقم ألف هو أكبر رقم يعرفه العرب في ذلك الوقت وينسبون له كل شيء، فكانو يقولون علي المليون مثلا ألف ألف، وبهذا فان ثواب قيام هذه الليلة المباركة لا يعلمه الا الله وحده، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة التي تسبقها "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ"- سورة القدر وهذه الآية الكريمة تجزم بأن عقل الإنسان لن يستطيع أن يستوعب فضل ومقدار ومكانة هذه الليلة العظيمة. وقتها: كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الآواخر من رمضان، والأجدى أنها في الليالي الفردية من العشر الأواخر. ما يجب علينا فعله في ليلة القدر: يجب علينا أن نضع خطة محكمة قوامها الإخلاص بالقلب والعمل وذلك بإستحضار النية الخالصة رغبة فى رضى الله عز وجل تماما كما نخطط لأي عمل هام في حياتنا. بداية من العمل بحديث النبي عليه الصلاة والسلام عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني»- رواه الترمذي وهذا الدعاء تحديدا أختصت به هذه الليلة المباركة لأنك عندما تطلب العفو من الله فيحب عليك أولا أن تتحلى بهذه الصفة الكريمة بينك وبين عُبَّاد الله، والعفو تحديدا هو الترجمة العملية لأثر العبادات على المعاملات والصفات والفضائل التي يحب أن يتحلى بها المسلم. فمن الممكن أن يصلى المسلم -علاوة على الفرائض- من النوافل ما شاء، وأن يكثر من قراءة كتاب الله وهذا أمر مطلوب، ولكن إن لم ينعكس أثر هذه العبادات الطيبة على سلوكه ومعاملته مع عُبَّاد الله، فهذا يعني أن هناك خلل شديد يجب الوقف عنده ويجب عليه مراجعة نفسه وإصلاحها وتهذيبها، لأن الدين عمل وعبادة لابد أن ينعكس اثرها عليه بشكل عملي واضح. فلنكثر من هذا الدعاء في هذه الليلة المباركة، والأهم أن نتحلى بهذه الصفة الكريمة -صفة العفو- ونذهب عن قلوبنا كل الحقد والضغائن والغل لتصفو النفس وتطهر ونكون جديرين بأجر هذه الليلة المباركة. وأيضا يمكن عمل برنامج من الصدقة اليومية في الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، كل على حسب قدرته مهما كانت قيمة هذه الصدقة. وكذلك نحييها بصلة الرحم ولو بالاتصال في أطار من المودة مع كل الأهل والأصدقاء. مع الذكر وقرائة القرآن والإكثار من الدعاء فكل دعاء المسلم مجاب باذن الله، إن لم يكن في الدنيا فسيكون له زخرا في الآخرة، ما لم يكن بإثم أو قطيعة رحم؛ كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن هذه الليلة العظيمة هى الفرصة والجائزة لكل مسلم، ومن نال خيرها فقد نال خيرا كثيرا، ومن فاته خيرها فقد خسر فرصة عظيمة لخير لا يحصى فضله في الدنيا والآخرة. فلا ندري هل تبلغ آجالنا رمضان آخر وليلة قدر أخرى. نسأل الله أن يبلغنا ليلة القدر وأن يجعلنا فيها جميعا من المقبولين. وإنها لفرصة طيبة بأن نغتنم لحياتنا قبل مماتنا، وأن يرى أثر عبادتنا لله على سلوكنا ومعاملاتنا وترابطنا كجسد واحد.