عابد المال في الدنيا

عابد المال في الدنيا

إن عابد المال في الدنيا حرم نفسه من أن يتمتع به في دنياه وفي آخرته، وإنما يحرسها طيلة حياته إلى أن تنتقل غنيمة باردة للورثة بعده، وربما لا يحمده الورثة على هذه الثروة التي جمعها طيلة حياته، والقصص في هذا كثيرة مشهورة، فقيل أن رجلا كان له حساب فيه مبلغ كبير بالملايين، وأنه قد افتقد مدة طويلة، فاتصل موظف فى البنك بأهله وطلب من أكبر أبنائه أن يحضر إليه في البنك، فسأل عن والدهم فأخبر أنه قد توفي منذ مدة طويلة، فأخبره بأن له رصيد في البنك، وأن هذا الرصيد بهذا المبلغ الكبير الذي يقدر بالملايين، فانهار ذلك الابن فأصبح يبكي، بل أصبح يدعو على والده، دعاء بحرقة وألم، ويرى بأنه قد ظلم نفسه، وظلم أولاده بحياة البؤس والشقاء التي كان يعيشها في هذه الدنيا، فماذا استفاد هذا الإنسان من هذه الثروة الكبيرة التي جمعها بجهد وكد وتعب وشقاء؟

ولم ينتفع بها وهو حي، ولم ينتفع بها كذلك وهو ميت، بل ورثته لم يحمدوه عليها، بل ربما دعوا عليه بسبب ما تسبب لهم فيه من حياة الفقر والبؤس التي يعيشونها وهذا كله بسبب النظرة غير السوية للمال، فماذا لو أن هذا الإنسان نظر لهذا المال بنظرة سوية صحيحة، فأكل من هذا المال، وأطعم وتصدق، وأكرم ضيفا، ووصل رحما، وجعل له وقفا ينفعه بعد وفاته، لكان هذا المال بركة عليه في حياته وبعد مماته، ورجل آخر يقول إن والده يملك ثروة كبيرة من المال وإنه من الصالحين يأتي إلى المسجد مبكرا، وحريص على الخير والطاعة، لكنه متشبث بالمال تشبثا كبيرا إلى درجة أنه لا يخرج الزكاة، فماذا ينفعه هذا المال؟ فهذا المال سيكون عليه حسرة ووبالا إلى يوم القيامة، بل إنه يعذب به يوم القيامة، وهذا كله بسبب النظرة غير الصحيحة للمال، بسبب سوء النظرة للمال.

هذه النظرة غير السوية هي التي تتسبب في هذه المظاهر، وهذه القصص التي نسمعها والتي هي واقع نراه في المجتمع، فينبغي أن يسعى المسلم في أن تكون نظرته صحيحة لهذا المال، ونظرته صحيحة لواقع الحياة الدنيا، وواقع عيشه في هذه الحياة، أن ينظر إلى ذلك النظرة الصحيحة الشرعية التي دلت لها نصوص الكتاب والسنة، وألا يعيش في واقع ونظرة غير سوية حتى لا تتصحح نظرته لها إلا بالموت، وعندما يلقى الله عز وجل، وحينئذ يندم حين لا ينفع الندم، وإن من ثمرات الإيمان باليوم الآخر الزهد في الدنيا وعدم تعلق القلب بها، فيصبح العبد أعلى من شهواتها لا يفرح إذا أقبلت ولا يحزن عليها إذا أدبرت، فالآخرة أكبر همه، فقال صلى الله عليه وسلم "من كانت الآخرة أكبر همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا أكبر همه جعل الله فقره بين عينيه وفرّق شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له " رواه الترمذى.

الكلمات المفتاحية المال الدنيا

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التعليقات

ضعي تعليقَكِ هنا

التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;