التواضع هو رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته ، والتواضع من أخلاق الإسلام المباركة ، والتواضع خلق حميد، وجوهر لطيف، يستهوي القلوب، ويستثير الإعجاب والتقدير، وهو من أخص خصال المؤمنين المتقين، ومن كريم سجايا العاملين الصادقين، ومن شيم الصالحين المخبتين .
والتواضع خلق كريم من أخلاق المؤمنين، ودليل محبة رب العالمين عز وجل، وهو الطريق الذي يوصل إلى مرضاة الله وإلى جنته، وهو عنوان سعادة العبد في الدنيا والآخرة، وهو السبيل الذي يقربك من الله تعالى، ويقربك من الناس، وهو السبيل للفوز بحفظ الله ورعايته وعنايته .
وهو الطريق لحصول النضر والبركة في المال والعمر، وهو السبيل للأمن من عذاب الله يوم الفزع الأكبر، وهو دليل على حسن الخلق وقائد إلى حسن الخاتمة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس تواضعاً خافضاً لجناحه رحيماً بأصحابه فقد كان يمشي في حاجة الوليدة السوداء وكان يركب الحمار .
ولما فقد خادمة المسجد حزن وقصد قبرها فصلى عليها وكان يباشر الفقراء والمساكين ويخالط الأعراب لأجل تعليمهم وإرشادهم ويسلم على الصبيان ، وكان متواضعاً في طعامه وهيئته ومسكنه يأكل على الأرض ويفترش الحصير ويتوسد الرمل ليس له حاجب يمنع الناس عنه .
وقد كانت حالته صلى الله عليه وسلم كحال المساكين المتواضعين المتذللين ليست كحال الملوك الجبارين المتغطرسين ، فمن أراد الرفعة فليتواضع لله تعالى ، فإن العزة لا تقع إلا بقدرِ النزولِ، ألا ترى أن الماءَ لما نزلَ إلى أصلِ الشجرةِ صعدَ إلى أعلاها فكأن سائلاً سأله: ما صعدَ بِكَ هنا .
ويعني في رأس الشجرة ، وأنت تحت أصلها؟ فكأن لسان حاله يقول: من تواضع لله رفعه" وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: " رأس التواضع أن تضع نفسك عند من دونك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في الدنيا حتى تعلمه أنه ليس بدنياه عليك فضل".
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم، وأصله أن الطائر إذا ضمَّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه، ثم قبضه على الفرخ، فجعل ذلك وصفًا لتقريب الإنسان أتباعه ، والتواضع مفهومه تذلل في القلب وافتقار يكسب الجوارح خضوعاً وسكوناً فيجمل صاحبه على احترام الناس وتقديرهم .
وحسن التعامل معهم على حدٍ سواء لا يفرق بينهم في التعامل ما داموا مسلمين ولا ينظر إليهم باعتبارات خاصة. ويحمل صاحبه أيضاً على قبول الحق مهما كان من أي شخص ولو كان أدنى منه منزلة .
وسئل الحسن البصري رحمه الله عن التواضع، فقال: التواضع: أن تخرج من منزلك ولا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً ، وسئل الفضيل بن عياض عن التواضع فقال: يخضع للحق، وينقاد له، ويقبله ممن قاله، ولو سمعه من صبي قبله، ولو سمعه من أجهل الناس قبله.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذين لا يريدون علوًّا في الأرض ، أي: ترفُّعا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبُّرا بهم، ولا فسادا فيهم .
والتواضع هدوء وسكينة ووقار واتزان، التواضع بشاشة وجه، ولطافة خلق، وحسن معاملة، بتمام التواضع وصفائه يتميز الخبيث من الطيب، والأبيض من الأسود، والصادق من الكاذب، وما تواضع أحد لله تعالى، إلا رفعه الله سبحانه.
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من ترك اللباس تواضُعًا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها " رواه الترمذى .
والمتواضع يبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه، كريم الطبع، جميل العشرة، طلق الوجه، رقيق القلب، متواضع من غير ذلة، جواد من غير إسراف ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد " رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " رواه مسلم .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملكٍ فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته وإذا تكبر قيل للملك: دع حكمته " رواه الطبرانى .
وإن التواضع صفة من صفات الكمال التي تُجمل المرء وتزينه وتحببه للخلق وتجعل له قبولاً في الأرض وإنها تدل على قوة العزيمة ونفاذ البصيرة والثقة بالنفس وترك التواضع يدل على ضعف الشخصية ونقص في النفس لأن المتكبر يستر ويغطي بكبره بعض عيوبه.
وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي دلل الإيمان شاء يلبسها " رواه أحمد .
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث، وقال: " إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمر أن تسلت القصعة قال: فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة " رواه مسلم .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "أحبوا المساكين فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: " اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة " رواه ابن ماجه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم. فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة "رواه البخاري .
وإن كمال التواضع يكون في المرء حال الغني والرئاسة والجاه والعلم وغير ذلك في الحال التي تكون دواعي الكبر والفخر والخيلاء متوفرة فيه، فإذا تواضع الإنسان في مثل هذه الحال ولم يغتر بما فيه كان دليلاً على صلابة إيمانه وشكره لله وقوة عزيمته .
والتواضع يكون محموداً إذا أورث المحبة والتواد والسلام والإصلاح وجمع الكلمة وائتلاف القلوب والتعاون على البر والتقوى ، ويستحب لمن وجد في نفسه الكبر والتعالي أن يباشر بنفسه الأعمال اليسيرة التي تكسر نفسه وتذللها وتذهب عنها العلو كالخروج إلى الأسواق الشعبية .
ومخالطة المساكين وحمل المتاع وتنظيف البيت ومعاونة الأهل ومساعدة الضعفاء في أمورهم الخاصة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتولى بنفسه الشريفة أعمال المنزل ويعين زوجاته فيخصف نعله ويغسل ثوبه ، وأن يفكر في صفة الله وغناه المطلق وصفة قدرته وعلمه الواسع وأن الكبر والخيلاء من أعظم صفاته فلا يليق للبشر أن ينازعوا الله في شيء من صفاته.
أن يصاحب الفقراء والمساكين أحيانا والأولياء الصالحين الذين تواضعوا لله ولم تغيرهم المظاهر والمفاخر فإن صحبتهم تسكن النفس وتذللها في طاعة الله وتجعل المرء هيناً ليناً مع إخوانه المسلمين ، وأن يتأمل في نقص طبيعته واعترائها مظاهر الذم فهو يحمل الفضلات في جوفه ويعتريه الخوف والمرض وغيره من مظاهر النقص البين ومن كانت هذه حاله كان التواضع هو اللائق به.