نرى فى هذه الأيام صعوبة بالغه عند المرأة فى إختيار زوجها حتى يكون هو الزوج الصالح الذى سيكمل معها مشوار الحياه وسيكون أبا لأولادها وكما حث الإسلام الشاب الذي يريد الزواج بأن يختار ذات الدين ، فقد أمر ولى الفتاة أن يختار لها زوجا صالحا ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " رواه الترمذي .
وأي فتنة تلك وأي فساد ذاك الذي حل ببلاد المسلمين ، حين أصبح الرجل يوزن بملئ جيبه وليس بدماثة خلقه أو نبل طبعه ، ولم يرعى المسلمون قول الحق تبارك وتعالى " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله " سورة النور .
وهذا أكرم الخلق عند الله سبحانه وتعالى يزوج ابنته فاطمة رضى الله عنها لرجل صالح من فقراء المسلمين لا يملك إلا درعا كان قد أعطاها إياه ، وهذا الزوج هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويعلم الراسخون في العلم والمؤمنون منهم أن الإسلام لا يحض على الفقر ونبذ الغنى ، لأنه يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم " نعم المال الصالح للعبد الصالح " رواه أحمد والطبراني .
ولكن لما كان طالب الزواج في العادة شاب لا يملك من زهرة الحياة الدنيا إلا القليل أمر الإسلام بتزويج الفقراء والمضى بهم قدما إلى حياة العفة ، اتقاء الفتنة والفساد ، وسوف يغنيهم الله من فضله ، وليعلم عامة الناس أن الغنى ليس يجلب السعادة على كل حال ، ومن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يرفض المال خوف الفتنة ، ورحم الله الصحابي الجليل أبا الدرداء حين أرسل إليه معاوية رضي الله عنه يطلب ابنته للزواج فأبى أن يزوجها إياه وخاف عليها فتنة المال والغنى وزوجها لرجل صالح آخر من فقراء المسلمين .
ولكن كيف يستدل على صلاح الرجل وتقواه ؟! وهنا يجب علينا جميعا أن نعلم أن أن الأسرة لها أكبر تأثير في سلوك الشاب بدرجة كبيرة ، ولكن الشاب بما يمتاز من خاصية التمرد على الواقع وخاصة وهو مراهق فإن جماعة الأصدقاء يكون لها أكبر الأثر في حياة الشاب ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل "
رواه أبو داود . فانظر إلى ذلك الشاب المتقدم لخطبة ابنتك فإن كانوا صالحين فهو مثلهم وإن كانوا غير ذلك فإياك أن تقبل من كان من أهل الهوى .
وأيضا إن كان ممن يعتادون بيوت الله ويؤدي فرائضه فهو مؤمن ، وإذا رأيتهم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان وأيضا الرجل الذي يعمل ويكد ويتعب ، يستطيع أن يتحمل أعباء الأسرة ويكون كفؤا للحياة الزوجية ويكون رجلا بمعنى الكلمة ، وعلى ولي الفتاة أن يختار لها من يعمل عملا شريفا حلالا ، خاليا من الشبهة وليسأل أهل العلم إن كان لا يعلم هل ذاك العمل حلالا أم لا .
وقد يفرِّط كثير من الأولياء في أمر الخاطب ثم ينتج عن ذلك تفرق أسر وتشتتها، فكم سمعنا وقرأنا عن أسر تم عقد الزواج والترابط بينها ثم لا تلبث إلا الأيام اليسيرة أو الأشهر القليلة حتى ينحل ذلك العقد، وينقلب الترابط على تفرق؛ فترجع الفتاة على أهلها كسيرة حسيرة، ثم تجلس في انتظار الطارق الآخر، وقد يطول الزمن بها، بل قد يعزف عنها الخطاب.
وبكل حال فلو بحثنا سبب ذلك التفرق فلربما يتحمل الولي جزءاً كبيراً منه، ولذا لا بد من القول بصراحة تامة؛ إن ذمة الوالد أو الولي لا تبرأ من الإثم حتى يخلص النصح لابنته وينتهج المنهج الشرعي في التعامل مع الخاطبين، ولا بد من التنبيه في هذا المقام على أمور مهمة باختصار ، وقد يحصل من بعض الآباء إذا تقدم الخاطب إلى بيته أن يصم أذنيه ويغمض عينيه عن كل طارق إلا عن قريب له كائناً ما كان، صالحاً أو طالحاً، تقياً أو شقياً، لا يهمه ذلك كله إنما همه الأول والأخير أن يكون المتقدم لابنته قريباً في النسب، وهذا من الظلم كيف يجعل ابنته وقفاً على ابن عم أو قريب لها، وبغض النظر عن صلاحه وحسن سيرته .
وأيضا لا بد من استشارة الفتاة في خطيبها وعدم إجبارها، فعليك أيها الولي أن تستشير ابنتك في خطيبها، هذا إذا كان المتقدم مرضي السيرة، أما إذا كان سيء السمعة والسيرة فلا مرحباً به ولا كرامة، بل إن من تمام المسؤولية عدم استشارتها في أمره، ويجب عليك أن تصرف ذلك الخاطب عنها ، وقد يكون غريباً عند البعض ومستشنعاً عند آخرين، ولكن الحق أحب إلى الجميع .
وأيضا يجب السؤال والبحث عن حال الخاطب، وهذا من المسؤولية بمكان عظيم، فبعض الأولياء قد يتقدم إلى ابنته خاطب لم يكن عنده سابق علم به، فيكتفي ببحث يسير أو معرفة عامة عن ذلك الخاطب، وهذا لا يكفي في هذا المقام، بل عليك أيها الولي أن تتحرى وتسأل حتى يتبين لك حاله أتم بيان فإما أن تقبله براحة أو ترده بقناعة ، وقد يتهاون كثير من الأولياء في شأن الخاطب الذي يتهاون بالصلاة بحجة أن غيره كانوا على شاكلته ثم منَّ الله عليهم بالهداية، ولا ريب أن هذا من تلبيس الشيطان عليهم، وإلا فبأي وازع يسمح الولي لنفسه أن يزوج ابنته من رجل يتهاون بالصلاة؟ فمن لم يراقب الله ويقوم بما أوجب الله عليه فمن باب أولى ألا يقوم بحقوق زوجته وأولاده .
ومن هنا فمن معايير اختيار الزوجة لزوجها هو الدين فينبغي أن يكون صاحب ديانة، والمراد بذلك الزيادة على الواجبات، لا ما يدخله في الدين فقط ، فقد أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بتزويج من كان مَرْضِي الدين والخُلُقُ، وهذا يدل على أنه من كان فاسد الدين سيئ الخلق لا ينبغي تزويجه، ففيه حث على اختيار الأزواج، واعتبار المؤهلات الشرعية، وكثير من الأولياء لا يُعِير هذا الجانب اهتماما عند تزويج موليته، فلا يختار لها الرجل الذي أرشد إليه الرسول، وإنما يختار لها الرجل الذي يهواه هو، حتى ولو كان فاسدًا في دينه، سيئًا في خلقه، لا مصلحة للمرأة من الزواج به.
فكم سمعنا من مشاكل النساء اللاتي وقعن في سوء الاختيار، هذه تقول: "إنها بليت بزوج لا يصلي"، وهذه تقول: "إن زوجها يشرب المسكرات ويتعاطى المخدرات"، وهذه تقول: "أن زوجها أمرها بالسفور وإلقاء الحجاب"، وهذه تقول: "إن زوجها يستمتع بها في غير ما أحل الله، يجامعها في نهار رمضان، أو يجامعها وهي حائض، أو في غير المحل الذي أباح الله". وهذه تقول: "إن زوجها لا يبيت عندها لأنه يسهر مع الفسقة"، والمسؤول عن ذلك هو وليها الذي أساء الاختيار لها، وخان أمانته عليها.
ومن المعلوم أن اختيار الولي للزوج الصالح هو اختيارٌ لصلاح البنت وأولادها، واختياره للزوج الفاسد هو اختيار أيضاً لفساد البنت وأولادها؛ ذلك فإن تأثير الزوج كبير، وهو مؤثر في تنشئة ذريته على الصلاح أو الفساد، وتنشئة الفاسد لذريته على الفساد أمر معهود ، و إذا علمت ذلك جيداً أيها الولي فاعلم أنك مسؤول أيضًا عن فساد موليتك وفساد ذريتها، بسبب هذا الزوج الذي غششتها به وأنت تعلم أن الفاسد لا يلد إلا فاسداً في الأغلب، إلا أن يشاء الله رب العالمين.
ومن معايير اختيار الزوج أيضاً، الخلق الطيب وأوصى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقبول من اجتمعت فيه صفتان هما الدينُ والخلقُ فقال "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" وإذا تفاوت الرجال في الصفات فلا شك أن من أقربهم منزلة إلى قلوب الناس مرضي الدين والخلق, كما أنه هو الأقرب منزلاً يوم القيامة من النبي صلى الله عليه وسلم.
ألا وإن الخلق الطيب هو من أبرز معالم الدين، ولذا قرنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم به فقال: "من ترضون دينه وخلقه". وحصر النبي صلى الله عليه وسلم البر في حسن الخلق فقال: "البر حسن الخلق" ويتبين بذلك أن الخلق الحسن من بدهيات الدين القويم وأساسياته ، ومن معايير اختيار الزوج أيضاً، حسن الهيئة في الرجل كما طلب الرجل الجمال في المرأة، وهذا أمر أيضاً جبلت النساء عليه، وأمر الله الأزواج بمراعاته .
ومما يدل على أن النساء أيضاً فطرن على الاهتمام بمظهر الرجال ما ورد في قصة حبيبة بنت سهل عندما اختلعت من زوجها ثابت بن قيس، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله؛ لا يجتمع رأسي ورأسه أبداً، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدَّة يعني رجال إذ هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا".
ولكن الأمر الذي يجدر التنبيه عليه هنا هو أن المعيار عند النساء يختلف عنه عند الرجال، فالمطلوب عندهم حسن المظهر من تفوقه عليها في الطول والجسم ونحو ذلك وليس المطلوب عندهم الجمال والوسامة ونحو ذلك ، ومن معايير اختيار الزوج أيضاً أن تأخذ المرأة الرجل الذي نظرت إليه، لأن ذلك أقرب للنفوس وأحرى في التوافق .
ومن المعايير أيضاً القدرة على تحقيق النفقة عليها وحوائجها، فالقدرة المالية معتبرة شرعاً، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما استشارته فاطمة بنت قيس في ثلاثة نفر تقدموا لها عاب أحدهم بأنه: "صعلوك لا مال له" وهذا حديث متفق عليه .
ومع اعتبار القدرة المالية في النكاح إلا أنها أيضاً لا تكون مبرراً في ترك النكاح إلا عند العجز التام ، كما هي الحال في بعض أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذين كانوا لا يجدون شيئاً من متاع الدنيا، فلم يجد أحدهم خاتماً من الحديد فزوجه النبي صلى الله عليه وسلم على ما معه من القرآن.
ومن معايير اختيار الزوج أيضاً، أن يكون قادراً على الإنجاب، فإذا علم أن الرجل لا يولد له، فلا تتزوجه المرأة التي تنجب؛ لأن في هذا تفويت لوصية النبي صلى الله عليه وسلم في المكاثرة بأمته يوم القيامة، ولما فيه من الإضرار بالمرأة وفطرتها، فكل إنسان مجبول على حب الولد. فأتقوا الله يرحمكم الله .