لقد أنعم الله علينا بالاختلاف لا بالخلاف وهذا رحمة بنا نحن البشر ، فهناك مفاهيم كثيرة قد تكون صحيحة عند البعض وخاطئة
عند البعض الآخر في صراعنا مع النفس ، ومع الغير .
ولكن الإسلام لم يقدم لنا العبادات فحسب ، وإنما قدم لنا فكرآ وثقافة وعلم البشرية معنى الحياة فنظم العلاقات والمعاملات بين افراد المجتمع قال ﷻ في كتابه العزيز " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" سورة يوسف الآية (111) .
ومن هنا يجدر بنا أن ننبه إلي قضية في غاية الخطورة والأهمية وهي " قضية التطبير أو الإدماء " وتعرف بأنها عبارة عن طقوس يمارسها بعض المسلمين الشيعة " الاثني عشرية " من ضرب الرأس أو الظهر أو الجسد بالسيوف أو أي أدوات حادة لإحداث جرح لإسالة الدماء من الرأس أو الظهر أو الجسد بقصد التقرب والمؤاساة لسيد الشهداء الإمام الحسين " رضي الله عنه " والتعبير عن مبلغ حزنهم علي الإمام وأهل بيته ؛ وإظهار صدقهم في إستعدادهم للتضحية من أجل أهداف الإمام المقدسة .
وهذه الطقوس تقام عندهم من أجل إحياء ذكر معركة " كربلاء " بحيث تخرج مواكب التطبير في عاشوراء والأربعين تجوب الشوارع والأحياء والاماكن العامة ، وفي بعض الأحيان تكون ليلة وفاة سيدنا علي بن أبى طالب " رضي الله عنه " أو وفاة السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء.
وكلمة التطبير مستخدمة في العراق وبعض بلاد الجزيرة العربية الشمالي منها والجنوبي .
وعلي الجانب الآخر فلم يكن من الواضح بشكل مفصل متي أو كيف نشأت هذه العادة ؟ ومن هو أول من قام بها ؟ ولكن من الواضح أنها عادة مستحدثة عندهم .
فلم تكن في عصر الخلفاء الراشدين " رضي الله عنهم " ولم نعهد ولم ينقل لنا حدوث مثل هذا التصرف بعد عصر الخلفاء الراشدين وخاصة في فترة الدولة الفاطمية ، ولم يذكر أهل الحديث أو المؤرخين ذلك في كتاباتهم .
وإذا تكلمنا بلغة الأرقام والإحصاءات ، فكم من ضحايا تحدث عند إقامة مثل هذه الشعائر الدينية لأهل الشيعة ، آليس جرح الرؤوس بالسيوف أو ضربها بالأكف حتي ينزف الدم محرما شرعا .
فالإسلام دين يكرم الإنسانية جمعاء ، حرم علينا كل أعمال العنف والتشدد حتي في العبادة ، وهنا أصبح تزكية النفس لتصل إلي درجة من الرقي الذي يسمح لها بالتعبد الصحيح والقويم لله ﷻ من أهداف الرسالة الالهية.
إن التشدد والعنف لا يحتاج إلى عمق في المعرفة ، ولكن الإنسانية تحتاج إلي عمق في المعرفة قال ﷻ " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ " سورة آل عمران الآية ( ١٥٩ ) .
إن رسالة الإسلام هادية للعقول البشرية ، ومرشدة لكافة أهل الأرض في زمن إتسعت فيه دائرة التشدد والغلو في العبادة والسلوك والمعاملات .
ومن هنا بات علينا أن نفتح صفحة الاعتدال واليسر التي طويت وكادت تطمس معالمها عند البعض بفعل إدعاءات وممارسات غير مقبولة ، وحتي نبرئ تعاليم الدين الإسلامي من تلك القساوة والغلو التي تنسب إليه ظلما ؛ حاولت فتح صفحة اليسر والرحمة في التفكير الإسلامي فهناك آيات بينات وأحاديث صريحة تكلمت في ذلك ومنها ما يلى:-
قال ﷻ " يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " سورة البقرة الآية ( ١٨٥ ) .
وقال ﷻ ايضا " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ " سورة الحج الآية ( ٧٨ ) .
وقال ﷻ ايضا " يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا " سورة النساء (28) .
ومن الأحاديث النبوية الصحيحة ما جاء عن سيدنا أنس بن مالك – رضي الله عنه قال: قال رسول اللهﷺ يسِّروا ولا تعسِّروا وبشِّروا، ولا تنفِّروا))؛ متفق عليه.
وقوله ﷺ أيضا في نهيه عن التشدد والغلو في العبادة " أيها الناس! إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين " أخرجه الامام أحمد ، والنسائي ، وابن ماجه .
فنحن نحب آل بيت النبي ﷺ ومن أكبر الدلائل علي حب رسول اللهﷺ وحب آل بيته أننا نقول كل صلاة " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد " .
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -
ﷺ " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " رواه الإمام الترمذي وابن حبان وأحمد والطبراني .
لقد جاءت هذه الكلمات الطيبة شاهدة لنا علي حب سيدى رسول الله ﷺ وآل بيته الرجال الكرماء الطاهرين وجميع أمهات المؤمنين، دون خروج منا نحو الغلو والتشدد في حبهم ، والمؤمن العاقل يدرك ذلك .
واخيرا وبعد هذا الطواف نقول بأن التشدد والعنف يحسنه كل من ضاقت معارفهم بالإسلام أو ضاقت صدورهم وعقولهم في ضبط ميزان الاعتدال في العبادة والسلوك ؛ فمن الواجب علينا إلزام جانب الاعتدال واليسر وترك الغلو والتشدد .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آل بيته الكرماء الطاهرين وأصحابه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.