كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله كثيرا من الشماتة فيقول فى الحديث الشريف عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء " رواه البخاري .
فالشماته خلق سيئ ذميم وصفة تنبئ عن خبث نفس صاحبها وعن مدى قبح باطنه وخلق هو دليل على انتزاع الرحمة من القلوب وهو دليل على الحسد وسببٌ عظيم للعداوة والبغضاء
إنه داء الشماتة الذي أصاب تلك النفوس المنحطة الوضيعة فلا غرابة من أن يتصف المجرمون الحاقدون بها، لكن الغرابة حين يصاب بعض أفراد أمتنا المسلمة بهذا الداء ،
نعم الغرابة حين يشمت بمصائبك أقرب الناس إليك، والغرابة حين يفرح بألمك من كنت تعتقد أنه صاحبك وخليلك، والغرابة حين يسعد بجراحك من ينتسب إلى أمتك.
هذا الخلق هو "الشماتة" وعرفها العلماء بأنها الفرح والسرور بما ينزل على أخيك من المصائب في الدنيا والدين، فيفرح ويُسر إذا نزل بأخيه مصيبة في الدين كما لو زلت ذلة أو زاغ أو انحرف فيفرح بذلك ويُسر أو يفرح بأن تنزل المصائب على الآخرين من المسلمين في الدنيا مما يقدره الله تبارك وتعالى من فقر أو من مرض أو من مصيبة موت أو حرق أو هدم أو أي نكبة أو كارثة أو مصيبة من مصائب الدنيا فيفرح ويُسر ويظهر الشماتة فهذا خلق ذميم لا ينشأ إلا عن خبث نفسا وعن سوء طاوية لا ينشأ إلا عن حاسد قد بلغ به الحسد كل مبلغ ولهذا قال بعضهم "الحسد والشماتة متلازمان فالحاسد إذا رأى نعمة بهت وإذا رأى عثرة شمت".
فحقا إن الشماته من المصائب التى تستحق أن يتعوذ منها كل مؤمن، وبلايا ورزايا لا مخلص منها إلا الله فيستجار به، وربما من أشد تلك المصائب وقعا على النفس وتأثيرا بها هو " شماتة الأعداء "، فيفرح عدوك بما أصابك من سوء وما ألمت بك من محنة فيظهر فرحه وسخريته واستخفافه بك مع شدة جرحك وكبير ألمك وعظيم مصيبتك.
وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: " اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا حاسدا "، لأننا نتفهم طبيعة تلك النفوس الحاقدة الحاسدة التي ملأها خبثها ونتن ريحها من ذلك الغل حتى فقدت بصيرتها فلا تقذف إلا بالسموم ولا تخرج إلا الرديء.
وهكذا كان اليهود وهكذا كان المشركون كانوا يفرحون بأن تنزل المصائب على المسلمين ويحزنهم ويسوءهم أن تنزل النعم والأفراح على المسلمين يفرحون ويتمنون أن يرتد المسلمون عن دينهم وأن يكونوا كفارا كما قال الله عز وجل فى كتابه الكريم (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) سورة البقرة .
فالكفرة إذا ظهر العجز في المسلمين ونزلت بهم المصائب فرحوا وشمتوا وهكذا الشماتة خُلق المنافقين، وهم من جملة الكفرة لكنهم أشد يظهرون الشماتة في المسلمين إذا نزلت بهم المصائب كما قال الله عز وجل ايضا (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) سورة آل عمران
هكذا المنافقون من أخلاقهم الشماتة بالمسلمين فالشماتة صفة أعداء الرسل، صفة أعداء الله، صفة أعداء الإسلام والمسلمين ولهذا استعاذ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من شماتة الأعداء لأنها تتكئ القلب وتجرحه وتحدث في النفس ما الله به عليم ولهذا قال هارون لموسى عليهما السلام (فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء)
ولا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك"، بل الواجب بل ينبغي أن تُظهر الحزن والأسى والتألم والتوجع لما ينزل بالمسلمين من المصائب؛ كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "المسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".
وقال ايضا صلى الله عليه وسلم "المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا" فكيف تظهر الشماتة؟ فهذا خُلق ذميم الحذر الحذر من الشماتة، وهكذا الحذر الحذر من أن تُتَّهَم الآخرين بالشماتة بالباطل والكذب والزور والبهتان أصف الناس بهذه الصفة القبيحة وهم بريئون منها.
والحذر فبعضهم يتهم الآخرين بأنهم شامتون كذبا وزورا وبهتانا، يتهم الآخرين بأنهم شامتون ماذا يريد؟ أيريد إثارة العداوة والبغضاء ماذا يريد؟ أيريد إشعال الفتنة بين المسلمين، ماذا يريد؟ أيريد أن يحرض على أمور لا تحمد عقباها أما علم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال"، وتفسير ردغة الخبال بأنها عصارة أهل النار.
أما علم؟ بلى علم ولكنه الباطل يمد صاحبه مدا، ماذا تريد باتهام الآخرين بأنهم شامتون أتريد أن تغطي على فضائحك التي علمها القاصي والداني، أتريد أن تغطي على كتمانك للحق بعد أن عرفت الحق فكتمته، ماذا تريد باتهامك للغير بأنهم شامتون أتريد أن تغطي على الفضائح من تعاون مع الكفرة ومن تعاون مع الفجرة وأولئك الشامتون.
فعن أَنَسٍ، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم " لايُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " رواه البخاري ، ومعناه أنه لا يؤمن أحدكم الإيمان التام، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، لأن الإنسان يحب أن يكون أفضل الناس، فإذا أحب لأخيه مثله، فقد دخل هو فى جملة المفضولين، ألا ترى أن الإنسان يجب أن ينتصف من حقه ومظلمته، فإذا كمل إيمانه وكانت لأخيه عنده مظلمة أو حق، بادر إلى إنصافه من نفسه، وآثر الحق، وإن كان عليه فيه بعض المشقة.