لم يكن عام 2025 عامًا عاديًا في مسيرة الهيئة المصرية العامة للكتاب، بل جاء عامًا مكثفًا بالحراك الثقافي، شهد حضورًا واسعًا للكتاب في قلب المشهد العام، من العاصمة إلى أطراف الجغرافيا، ومن المنصات الدولية إلى القرى الأكثر احتياجًا للمعرفة. عامٌ حاولت فيه الهيئة أن تؤكد دورها كذراع ثقافية للدولة، لا يقتصر على إنتاج الكتاب، بل يمتد إلى توزيعه، ومناقشته، وإتاحته، وتحويله إلى فعل يومي في حياة الناس .
منذ الأسابيع الأولى للعام، وضعت الهيئة إيقاعًا مرتفعًا للنشاط، مستندة إلى رؤية تستهدف توسيع نطاق القراءة، وتحقيق قدر من العدالة الثقافية، مع الحفاظ على دورها التاريخي في نشر المعرفة الجادة، والتراث، والإبداع المعاصر .
معرض القاهرة الدولي للكتاب: أرقام غير مسبوقة وحضور عالمي.
انطلقت أولى محطات العام مع معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي واصل ترسيخ مكانته كأكبر تظاهرة ثقافية في المنطقة العربية. وحقق المعرض نجاحًا لافتًا على كافة المستويات، بمشاركة 1345 ناشرًا من 80 دولة حول العالم، ما عكس الثقل الدولي للمعرض وقدرته على استقطاب صناعة النشر العالمية .
وعلى مستوى الفعاليات، شهد المعرض تنظيم 600 فعالية ثقافية متنوعة، شملت ندوات فكرية، وأمسيات أدبية، وموائد مستديرة، إلى جانب 271 حفل توقيع لإصدارات جديدة، و240 فعالية مخصصة للطفل، في تأكيد واضح على الاستثمار في الوعي المبكر. أما الحضور الجماهيري، فقد تخطى 5 ملايين و547 ألف زائر، في رقم يعكس استمرار ثقة الجمهور في الكتاب كقيمة ثقافية حية .
المعارض المحلية: الكتاب يصل إلى المحافظات
لم يتوقف النشاط عند حدود المعرض الدولي، بل امتد طوال العام عبر تنظيم ما يقرب من 60 معرضًا محليًا للكتاب في مختلف محافظات الجمهورية، في محاولة لكسر مركزية الثقافة وإيصال الكتاب إلى القارئ أينما كان .
وشملت هذه المعارض محافظات ومدن متعددة، من بينها بورسعيد، الفيوم، دمنهور، السويس، الأقصر، الإسكندرية، رأس البر، إلى جانب معارض أقيمت في مواقع ثقافية وتعليمية بارزة مثل محطة الأوبرا، المجلس الأعلى للثقافة، جامعة بدر، جامعة الأزهر، جامعة المنصورة، كلية اللغة العربية بشبين الكوم، كلية أصول الدين بطنطا، ومسرح البالون، وغيرها من المواقع، بما يعكس تنوع الشرائح المستهدفة واتساع خريطة الوصول الثقافي .
حضور خارجي يؤكد مكانة الكتاب المصري
على الصعيد الخارجي، واصلت الهيئة حضورها في عدد من المعارض الدولية، حيث شاركت في معرض الشارقة القرائي لكتب الأطفال، ومعرض مسقط، ومعرض أبو ظبي، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، في إطار دعم انتشار الكتاب المصري والعربي، وتعزيز التواصل الثقافي مع محيطه الإقليمي .
398 عنوانًا جديدًا: تنوع معرفي وإبداعي
شهد عام 2025 نشاطًا مكثفًا على مستوى النشر، حيث أصدرت الهيئة 398 عنوانًا جديدًا في مختلف فروع المعرفة، تنوعت بين الفكر، والأدب، والفلسفة، والتاريخ، والعلوم، إلى جانب المجلات الثقافية المتخصصة .
ومن بين أبرز هذه الإصدارات :
«صفحة من تاريخ مصر الاجتماعي»، «مجتمع مصر والشام زمن المماليك الجراكسة»، «سهير القلماوي أيقونة التنوير»، «الحداثة والمسرح»، «البكاء بين الأشلاء»، «الذكاء الاصطناعي التوليدي: مسيرة التطور وآفاق المستقبل»، «قراءة جديدة في رواية أولاد حارتنا»، «عرافة هافانا»، «لعبة الكتابة»، «في حضرة التاريخ والمؤرخين»، «الأمن القومي للدولة»، «العريش سنوات الحب والحرب»، «مع أبي العلاء في سجنه»، «حافظ إبراهيم شاعر النيل»، «تاريخ الدول والملوك»، «الخرز الملون»، «الأزياء الشعبية عند الغجر»، «الحضارة السواحيلية والأثر العربي فيها»، وغيرها من الأعمال التي جمعت بين القيمة العلمية والثراء الإبداعي .
مشروعات كبرى وتعاونات استراتيجية
وعلى مستوى المشروعات الثقافية الكبرى، اتفق الدكتور خالد أبو الليل، القائم بأعمال رئيس الهيئة، على إصدار مؤلفات لعدد من كبار الكتاب والمفكرين، من بينهم محمد سلماوي، والدكتور شاكر عبد الحميد، والدكتور شكري عياد، والدكتور عبد الحكيم راضي، في خطوة تستهدف الحفاظ على التراث الفكري الحديث وتقديمه للأجيال الجديدة .
كما شهد العام تعاونًا مهمًا مع منظومة مكتبات مصر العامة، تمخض عن افتتاح منافذ لبيع إصدارات الهيئة داخل المكتبات بالمحافظات، وبدأ التنفيذ بالفعل في الأقصر، أسوان، الجيزة، والقاهرة .
وامتد التعاون أيضًا مع الهيئة العامة لقصور الثقافة لافتتاح منافذ للكتاب في المواقع الثقافية الكبرى، بدءًا من قصر ثقافة العريش ثم قصر ثقافة الأنفوشي، مع استمرار العمل على تجهيز باقي المنافذ .
قامت الهيئة في الآونة الأخيرة بعقد بروتوكول تعاون مع الشركة القومية للتوزيع في إطار التجهيزات لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الدورة الـ57 لاستلام شحنات الناشرين المشاركين في المعرض، وهو ما يعد خطوة غير مسبوقة لتعزيز الخدمات اللوجستية المقدّمة للناشرين العرب والأجانب، وهذا يعكس توجه الهيئة نحو تحسين التجربة التنظيمية للمعرض .
«حياة كريمة»: الكتاب في قلب القرى
وفي إطار المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، افتتحت الهيئة 22 منفذًا لبيع الكتب في القرى الأكثر احتياجًا، شملت قرى بمحافظات المنوفية، الغربية، وقنا، من بينها سنهور، دميسنا، شما، سنتريس، زاية صقر، حانوت، سنباط، سمهود، العسيرات، أبو مناع غرب، وفاو قبلي، في تأكيد عملي على أن الثقافة جزء أصيل من التنمية الشاملة .
1700 فعالية ثقافية: الكتاب في مواجهة الفراغ
وعلى مدار العام، نظمت الهيئة ما يقرب من 1700 فعالية ثقافية وفنية، تنوعت بين ندوات، وأمسيات، وورش، ومعارض، وأقيمت في مواقعها المختلفة مثل المركز الدولي للكتاب، مكتبة الشروق، قاعة صلاح عبد الصبور، إلى جانب الأنشطة المصاحبة لمعارض الكتب بالمحافظات .
إطلاق مبادرات ثقافية خاصة بالكتب والقراءة مواكبة للأحداث الوطنية
كما ربطت الهيئة مبادراتها بمناسبات وطنية، مثل تقديم خصومات على الإصدارات تصل حتى 25% في مختلف المنافذ التابعة لها احتفالًا بذكرى 23 يوليو، وخصومات 20% على معظم إصداراتها وخاصة كتب المصريات بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير .
ومن بين إنجازات الهيئة أيضًا إهداء العديد من إصداراتها على مدار العام على المستوى المحلي والدولي، بما يعكس دورها في دعم ونشر الثقافة وتعزيز التواصل الثقافي؛ كإهداء سفارتنا في بنما مجموعة من الكتب، والمكتبة الوطنية في غانا، وعلى الصعيد المحلي إهداء مكتبة أكاديمية الفنون بالإسكندرية، ومكتبة الإسكندرية، وبعض فروع قصور الثقافة مثل قصر ثقافة الطفل بالقليوبية، وقصر ثقافة العريش .... وغيرها .
تطوير السياسات الداخلية لمنظومة النشر
عقد د. خالد أبو الليل القائم باعمال رئيس مجلس إدارة الهيئة العديد من الاجتماعات والمناقشات مع مسئولي النشر بالهيئة للعمل على تطوير منظومة النشر داخل الهيئة، بهدف تسريع دورة نشر الكتب وتحديث السياسات الثقافية لمواكبة التحديات المعاصرة .