لقائي اليوم مع الكاتب والناقد والأديب المعروف سليم النجار ،فهو مثقف متعدد في إبداعه الأدبي، لقد وجدت الكاتب القدير سليم النجار يمتلك صفة المثقف المهم الذي ينير المشهد الإبداعي، فهو قامة فكرية فقد فرض بصماته بقوة في مسيرة الخركة الأدبية. حواري الصحفي معه يعرفنا أكثر عن مراحل وتفاصيل حياته و مراحل عمرية أدبية، فهو صاحب الخلق الرفيع و فيه من التواضع الكثير. -الأديب سليم النجارغني عن التعريف هل لنا بنبذة بأسطر؟ لن ابحث عن إجابات تقليدية للحديث عن نفسي ؛ ولن أغازل الكلمات حتى أستنطقها للهوى بل أكرر ما قاله أساتذة الدراما : " إن مفتاح الدراما القوية التي تشد أنظار المتفرجين وتحبس أنفاسهم ؛ هي التي يتخاصم فيها طرفان على مستوى واحد من القوة ووجود أي طرف ثالث يشتت انتباه المتفرج ويصب ماء بارداً على الصراع الساخن " . وبما حياتنا دراما متصلة منذ خروج من رحم والدته حتى عودته إلى رحم الأرض . أحاول أن أكون طرف ثالث على مسرح الحياة . -الأديب سليم النجار كيف كانت طفولتك؟ طفولتي ؛ وقفت على حافة الأسطورة أو الحكاية من خلال قصص والدي التي كان يسردها رحمه الله ؛ عن فلسطين وحديثه الذي لم يتوقف عنها ؛ التي هُجر منها عام ١٩٤٨ ؛ واعتبر آحاديثه المدونة التاريخية الأولى . ولدت في الكويت بتاريخ ٢/ ١٢ / ١٩٦١ ؛ وعشت في مدينة صغيرة تطل على البحر ؛ هذا البحر الذي شكل عندي شغف للحياة . أكثر ما خبأته ذاكرة طفولتي من قصص الوجع ؛ اني فقدت وطني ؛ لذا كان القلم يسطر بالأسود لا بغيره " فلسطين كي لا تنسى " . فقدان الوطن يعني ان القلم يتحرك بإتجاه العودة وغير ذلك عبث . -من الذي أكتشف موهبتك الكتابية،و من الذي ساندك في مشوارك كأديب وكاتب وناقد،كيف تأسست كاتبا وناقدا؟ البحر ؛ هو الذي علمني فنون الكتابة ؛ وممارسة فعل النقد ؛ فقد كان صديقي الوفي ومازال . اذهب له يومياً صباحاً قبل ذهابي إلى المدرسة مع عدد من أصدقائي اذكر منهم بسام ابو فياض وبلال ؛ وحتي المدرسة التي كنا ندرس الصفوف الأولى " الأبتدائي " ؛ واسمها مدرسة عثمان بن عفان ؛ كانت على البحر ؛ والدوام مسائي الساعة الثالثة إلا الربع بعد الظهر حتى التاسعة مساءً ؛ هذا الوقت المسموح لنا الدوام في تلك الأبنية ؛ وكانت تسمى مدارس منظمة التحرير الفلسطينية . وما زلت اذكر الطقوس التي نمارسها في تلك الحقبة الزمنية من حياتي ؛ ان نحمل المسجل معنا ونضع " كاسيت" ونستمع أغاني الثورة الفلسطينية ؛ ومن أكثر الأغاني التي كنت أسمعها أغنية " يا جماهير الأرض المحتلة " للراحل شاعر الثورة الفلسطينية محمد حسيب القاضي ؛ ومازلت إلى الآن استمع لهذه الأغنية . -كتابك "الوطن الممنوع" كان له صدي كبير على المستوى الأدبي والثقافي ،حدثني عن تجربتك في كتابة هذا الكتاب؟ كتاب الوطن الممنوع ؛ هو حوار مع فاروق القدومي أجريته معه في تونس قبل سنوات ؛ ونشرته العام الماضي ؛ لا استطيع الحكم عليه أو التحدث عنه كثيراً ؛ وادع القرّاء والحكم عليه ؛ اما عن قيمته ادع التاريخ يحكم عليه . -أنت قلت "أن تكون مبدعا في عالمنا العربي فأنت على قائمة القتل" وهل يقتل كل إبداع عربي؟ بالفعل ان تكون مبدعاً في عالمنا العربي ؛ فأنت مشروع " قتيل" فهذا العالم لايعرف قيمة الكلمة ؛ ولا يعرف قيمة القلم إلا اذا كان في خدمة السلطات التي تحكم هذا العالم ؛ وكما لايعرف قيمة المبدع ؛ ومن يتابع تاريخنا المعاصر يعرف كم مبدع تم تصفيته ؛ كالكاتب الكببر فرج فودة وناجي العلي ومحاولة إغتيال الروائي نجيب محفوظ واخيراً وليس آخراً إغتيال الروائي العربي العراقي علاء مشذوب لمجرد كتابة مقال ينتقد فيه الأوضاع في العراق . وتاريخنا مليء بقتل المبدعين منذ أقدم العصور ومن يعرف كيف قُتل ابن المقفع وتم تقطيعه ؛ يَعرف ان ثقافة القتل مازلت تعسعش في ضمائرنا -هل من الممكن أن يسمح في العالم العربي للفكر أن يفكر ، أن يكتب بحريه؟ عالمنا العربي ؛ بتجلياته الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية يُعادي الفكر أيٍ كان لونه السياسي ولا يؤمن بأي حرية ؛ لا حرية الفكر أو الكلمة ؛ عالمنا العربي عالم أُحادي ويعتبر الفكر سلعة لا لزوم لها إلا من أجل تجميل صورتنا وبروزتها على صدورنا اننا نمارس وعي مزيف ؛ من اجل ذلك يُنظر في عالمنا العربي للمثقف على انه شحاذ وهامشي وله دور وحيد وأحد تجميل صورتنا . وهذا الوصف ليس طارئاً في حياتنا وعلينا نتذكر ما قاله ابوحنيفة في وصف الكتّاب : " آصابته حرفة الكتابة " ؛ أي اعتبر حرفة الكتابة مرض يعاني منه الإنسان نظراً لما يعانيه من ويلات هذا المرض وقال هذا القول ليكشف حقيقة كيف ينظر عالمنا العربي للكاتب والفكر . -الأديب سليم النجار لماذا يخشى من المثقف ،و هل ممكن أن تفقد صفة المثقف؟ انا لا أخشى من المثقف الذي يرفض السائد والمتعارف عليه ؛ بل أحذر من " المثقف" الذي يمارس الأكاذيب ويزيف الواقع ؛ والرقص بالكلمات كراقصة تبرز مفاتينها لإصطياد الزبون وهو يصطاد القارئ من اجل سلطة تعطيه فتات من العيش . فهؤلاء إيدز مشهدنا الثقافي العربي . أفقد صفة المثقف ؛ انا لا استطيع أن اتجرا وصفي نفسي بالمثقف هذا متروك للقارئ بالحكم علي بأن اكون مثقف أو عكس ذلك . -هل لك أن تحدثني عن مراحل معينة في تجربتك الكتابية النقدية؟ بالتأكيد يكفي اني فلسطيني . -لك العديد من الكتابات الأدبية، فما هي الأقرب إليك؟ كتاب سنين حوار مع حميد سعيد ؛ فهذا الكتاب ؛ كتب في شوارع عمّان من خلال ممارسة رياضية المشي ؛ قررنا وقتها ممارسة هذه الرياضة من اجل تخفيف أوزاننا ؛ وهذا ما تم وفي ذات الوقت انجزت هذا الكتاب وسجلت فيه كل الحوارات والنقاشات التي كانت تدور بيننا أثناء سيرنا في الشوارع. -بأي ثقافات تأثرت ،و ما هي مصادر ثقافتك؟ أنا تأثرت بكل ما قرأت ؛ اما الثقافة التي أثرت في هي ثقافة المنافي والشتات ؛ وهذا شيء طبيعي فانت عندما تفقد وطنك تُفرض عليك حياة مختلفة مغايرة وناس تُفرض عليك ؛ كل هذا التنوع المفروض عليك يجعلك تتعاطي مع هذا الفرض كأنه سؤال دائم الديمومة ؛ وبالتالي تبحث عن إجابات غير تقليدية لتستمر . -عند الإنتهاء من كتابة كتاب لك ،ما هو الشعور الذي ينتابك؟ عندما انتهي من تأليف كتاب اشعر بفرح عارم وان الحياة تستحق الأستمرار بها . -ما هي طقوسك في الكتابة؟ الطقس الذي أعشقه أثناء ممارسة الكتابة شرب القهوة بدون سكر ؛ وانا شخصيا أقوم بعملها ؛ وما بين عمل القهوة وفعل الكتابة أجد نفسي . -الكاتب والناقد الفلسطيني سليم النجار ،هل تصحبك الفكرة للانعزال؟ الفكرة تدفعنا إلى الإنفتاح على العالم والتخاطب معه ؛ ففكرة الأنعزال تقتل الفكرة والكاتب معاً . الإنعزال يُوّلد جثث غير قابلة إلا الحزن عليها . هناك فرق بين الوحدة وان تختلي بنفسك وبين ان تنعزل ؛ الأولى تدفعك للتأمل اما الثانية تدفعك إلى الجنون . -كيف تتعامل مع السلبيات في الواقع على مدار حياتك؟ الكاتب المبدع بتكوينه يرفض ما هو سلبي ؛ ويتعاطي مع الإيجابي . لأن الأبداع لا يقبل القسمة إلا على النور الذي يشع الأرض ؛ وهو بذات الوقت يبشر بالجديد ويبتعد عن سواد الأفكار التي تجعل من الإنسان في حالة غير طبيعية . -أنت كاتب قدير متمكن من الكتابة تستطيع أن الإمساك بتفاصيل فكرته و تقديمها كاملة إلى القاريء في أقل عدد ممكن من السطور ،هل يمكن لأي كاتب أن يكتسب هذه المهارة،و كيف؟ اتمنى ان أكون كما وصفتي ؛ أما الإمساك بالفكرة هي موهبة لا أعرف توصيفها ؛ لكن استطيع القول أيضاً ان إصطياد الفكرة إضافة إلى الموهبة إكتساب الخبرة من خلال الممارسة ؛ والتعامل مع بشكل مباشرة وتتخاطب معهم من القلب إلى القلب . -حدثني عن ماهية العلاقة بين الإبداع والنقد،و ما النقد من وجهة نظرك؟ العلاقة بين الإبداع والنقد في عالمنا العربي ؛ هي علاقة صدام وتناحر ورفض متبادل بين الطرفين . فالمبدع العربي لا يعترف بالنقد ؛ إلا اذا جاء في سياق تمجيد نصه ؛ وإذا ما جاء عكس ما يتمناه يصبح النقد في نظره ثرثرة وكلام فاضي ؛ ولا قيمة له . نحن في امس الحاجة شيوع الديمقراطية في أحكامنا الثقافية وقبول المختلف . -هل النقد للأعمال الأدبية على كافة أنواعها مهم لأنجاح العمل ؟ النقد هو الذي يفتح الطريق للنص ؛ وهو الذي يُعرف القارئ بأهمية ما يكتب ؛ وليس مطلوب من النقد ان يمارس دور الواعظ واذا فعل ذلك فقد قيمته ؛ النقد هو علاقة جدلية بينه وبين النص الإبداعي . -الكاتب القدير سليم النجار، ما هي رؤيتك المستقبلية لدور الناقد في بناء الثقافة الفلسطينية والعربية؟ الثقافة فعل إنساني أولاً وأخيراً وهي نتاج خبرات حياتية لمتطلبات الانسان ؛ وبعد ذلك جاءت الهوية لتصوغ تلك المتطلبات ؛ وتعبر عن هذه الحاجات والهوية بهذا المعنى لها دور في خدمة الأنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو معتقده ؛ والسؤال هل تقوم الثقافة العربية بهذا الدور ؟ او تنتج ثقافة تخاطب الأنسان أو غرائزه البدائية كالقتل والأنتقام والتغني بماضي وهمي هي أسئلة مشروعة وآن الآوان ان نسال انفسنا هذه الأسئلة ؛ الثقافة العربية الفلسطينية الأصل ان تمتلك خصوصية كونها تواجه ابشع خزعبلات تم إنتقائها من أوهام التاريخ وبنوا عليها " أفكار" تّتدعي انها " ثقافة " ومن خلال هذه النتف تم الإستلاء على أرضنا ؛ وزعموا انهم يملكون حقاً تاريخياً مزعوماً وانا هنا لا اصف هذه الثقافة بكلمات أنشائية بل اقول ما هو موجود على أرض الواقع . فالأنسان العربي الفلسطيني موجود في ارضنا على اقل تقدير منذ ٩ آلالف سنة هذا ما تم إكتشافه في مدينة القدس على يد علماء أثار فرنسيين . وبعدها هناك من يأتي ويطالبنا بالواقعية والأعتراف باللص ؛ والسارق ؛ تحت حجج واهية . المطلوب منا ان نكون معرفيين وعندنا القدرة على تقبل الرأي المختلف معنا حتى لو أراد ممارسة تزيف الوعي ؛ القوي هو الذي يمتلك ميزة الصبر لتوصيل معرفته بقدرة وأقتدار . مع التأكيد اننا نحب الحياة ونعرف قيمتها . -هل يمكن فصل الواقع السياسي عن الإبداع الأدبي؟ لا يمكن فصل السياسي عن الثقافة ؛ واي قول غير ذلك هو تحريف وتدليس علينا ؛ فالثقافة هي بالأساس رؤية سياسية ؛ لكن هناك خطأ شائع ومقصود تم طبخه في مطابخ الديكتاتوريات أن الثقافة ثرثرة وكلمات جزيلة وأن المثقف لا علاقة له بما يجري حوله وكانه يعيش في جزيرة معزولة . هذه المطابخ هي التي عززت هذا المفهوم وكرّست مفهوم العزل بين الثقافة والسياسية ؛ وكأن العلاقة بينهما علاقة تناحرية ؛ ونتاج هذه العلاقة تأتي لصالح هذه المطابخ الكريهة . -من خلال كتاباتك هل إستطعت أن تعمق وعي الإنسان العربي والفلسطيني بما يدور حوله؟ الثقافة هي نتاج إنساني ومن الضروري التواصل مع الأخر بغض النظر عن هويته الأجتماعية والسياسية ؛ والثقافة جسرا للتواصل والتأخي بين البشر ؛ ولم تكن يوماً غير ذلك وهنا أقول عن الثقافة ولا أقول عن تسييس الثقافة لصالح اباطرة القتل الذين يُحولون الثقافة مشانق لإعدائهم الوهميين ؛ السياسية التي نعرفها في عصرنا الحالي وحقيقة الأمر في كل العصور هي التي تفسد الثقافة . -هل هذا الكلام صحيح بأن البعض يقول "أن الثقافة العربية الفلسطينية حاليا لا موقع لها ضمن الثقافات الإنسانية والعالمية"،أين هي حركة النقد في فلسطين من حركة النقد العربي والعالمي؟ الحركة الثقافية النقدية في فلسطين والشتات والمنافي ؛ يتفاوت عطاءه بحكم الوضع الفلسطيني الخاص ؛ هناك تيارات إنعزالية في الداخل الفلسطيني وتحديدا في مناطق الضفة الغربية يتوهم وعن غباء مطلق وجهل مدقع انه الفلسطيني الوحيد ؛ على عكس فلسطيني ٤٨ الذين يؤكدون ليلاً نهار انهم عرب وفلسطينين وتاريخياً كل المبدعين الفلسطنيين كانوا من شمال فلسطين ؛ وهذا ينطبق على غزة التي انجبت اروع الشعراء والكتاب ؛ وفي المنافي هناك العشرات من المبدعين الفلسطنيين الذين كانوا لهم دور في بيئاتهم التي عاشوا فيها وكذلك على مستوى العالم . -أنت قامه أدبية كبيرة معروفة ، فما هو الحلم الذي كان يراودك وأردت أن تحققة عندما تكبر ،هل حققته؟ كنت اسعى لدراسة السيمنا في أمريكيا ؛ ولظروف خاصة لم يتم ذلك ؛ وانا منذ طفولتي اوانا متابع ومثابر للسيمنا ومازلت طبعا ؛ وتعويضاً عن عدم دراستي السينما ؛ ألفت كتاب عن الفنان المصور الشهيد هاني جوهرية وصدر الكتاب قبل أيام حمل عنوان " الكاميرا تُشرق من القدس - هاني جوهرية ( مسيح الثورة ١٩٣٩ - ١٩٧٦ ) . استطيع القول عن هذا الكتاب انه توثيق مرحلة جديدة للصورة والسينما في تاريخ فلسطين ما بعد النكبة : إذ لم يكن كافياً مواجهة الاحتلال بما تيسر من " قوة" فكاميرا هاني جوهرية استطاعت ان ترصد بعينها مأساة وطن وشعب يسعى الاحتلال إلى طمس كل أثاره. -ماذا عن منتوجاتك الأدبية المنشور منها ،و ما هو مخبوء؟ أنا شخصياً لا أفكر ولا إحب ذكر ما كتبت أو ألفت ؛ فهذا اصبح من الماضي ؛ والقارئ هو الذي يحكم أو يفكر فيما كتبت اذا وجد ذلك ضرورياً ؛ اما المخبؤ عندي هو الحلم ان أدفن في قريتي صبارين قضاء حيفا -ما هي أهم مشروعاتك المستقبلية الأدبية؟ مازلت ابحث عن فكرة ما .. -كلمة أخيرة تحب أن تقولها …. اشكرك لطيفة الأخت والصديقة ونحن على لقاء وإن كنت أتمنى ان يكون لقاؤنا في القدس . انا بشكر القامة الفكرية الكبير الاخ والاستاذ الكاتب و الناقد الفلسطيني سليم النجار على اللقاء المثمر و الجميل وأتمنى أن يتكرر اللقاء الصحفي مرة أخرى.