فوبيا المؤامرات !! وبرمجة الشعوب .. المعني والمغزي!!

فوبيا المؤامرات !! وبرمجة الشعوب .. المعني والمغزي!!

شاع مصطلح المؤامرة الخارجية كثيراً في الآونة الاخيرة نتيجة لتداوله بشكل مكثف عبر وسائل التواصل الاجتماعي, والاعلام المختلفة تبعا لتلك التقلبات السياسية و الإقتصادية المتتابعة بغزارة في مجتمعاتنا العربية .
و يشير هذا المصطلح تعريفا إلى تلك المنظومة المرتبة من الأكاذيب التي يطلقها الطرف المتآمر عبر وسائله الدعائية, والإعلامية لزرع أفكاره في عقول الطرف المتآمر عليه بطرق مباشرة, أو غير مباشرة و كل ذلك في سبيل تحقيق غاياته ومآربه....
ولا يقتصر هذا المصطلح على ذلك النمط من العلاقات السياسية بين الأنظمة الحاكمة و الشعوب المحكومة, بل يتعدى ذلك ليدخل في أدق تفاصيل حياتنا اليومية التي نواجها مع المحيط الإجتماعي بمختلف أشكاله وألوانه, وإن لم نسمي الأشياء بمسمياتها, إلا أن مضمونها و جوهرها لا يخفى على أحد, ومردُّ ذلك كله هو طبيعة النفس البشرية الباحثة عن السيطرة وفرض المصالح الشخصية, وإذا أخذنا مثالاً استهلاليا في شأن إسقاط المفهوم على واقع العمل في المؤسسات فغالبا ما يسمع الموظف عبارات من صاحب العمل عند المطالبة بزيادة الأجر مفادها تردي الوضع المالي للشركة في الخارج أو زيادة المخاطر المالية نتيجة لمنافسة الشركات الاخرى و التي قد تهدد بإفلاس الشركة ,وبالتالي تسريح موظفيها, أو تلك العبارات المركبة التي تحمل تهديداً ضمنياً بوجود أشخاص كثر يتمنون ذات العمل و بأجر أقل, وفي الحقيقة تلك العبارات غالبا ما تؤدي الغرض منها بقمع أي فكرة للمطالبة بزيادة الأجر غارسةً بقلب الموظف بعض الخوف مما هو أسوء ليرضى بما بين يديه ..
وعلى الرغم من أن استخدام أساليب علم المؤامرة الخارجية لدى الكثير من أصحاب الأعمال ليس شائعا بشكله الأكاديمي القائم على علوم النفس و الاجتماع إلا أنه بات موجودا لديهم بالخبرة التجريبية مع أصناف مختلفة من القوى العاملة الباحثة عن لقمة العيش و الطموح الوظيفي معاً, حتى يصبح صاحب المال قادر على زرع القلق بشكل غير مباشر في نفس ذلك الموظف الطموح و الراغب بتحسن دخله ...
أما على صعيد الحياة الأسرية فإن برمجة المؤامرة الخارجية تأخذ شكلاً مختلفا بعض الشيء, ففي مجتمعاتنا العربية ذات الارتباط القوي نسبيا بالمحيط الخارجي مقارنة بالمجتمعات الغربية فإن صيغ المؤامرة الخارجية تأخذ وجوه عدة, كزرع الرهاب الاجتماعي من أفكار التغيير في وجدان الطفل الصغير كي لا يشب بعيدا عن السرب بحجة تقديس رأي المجتمع حول أفعاله و سلوكياته...
مما يضعه في دائرة مغلقة لا يستطيع الخروج منها إلا بكسر تلك القيود التي يمكن أن تؤدي به إلى الابتعاد عن القطيع بشكل تام, وهنا تنجح المؤامرة الخارجية التي يزرعها الآباء في نفوس الأبناء لكي يعملوا وفقا لما يريدون ,وليصبح كلام الناس فيهم هو ذلك المعيار الواجب الالتزام به دائماً, والعمل وفقاً لما يفرضه المجتمع من تعاليم و عادات حتى و إن كانت رجعية و لا قيمة لها ...فكم من شخص كسر القيود و تمرد على الواقع ليأتي بما هو جديد !!! نعم أنهم القلة التي تحدت مفهوم مؤامرة المجتمع الخارجية, ولكن للأسف قد يودي الخروج عن تلك العادات الاجتماعية البالية كالنفاق و العنصرية القبيلة و العائلية أصحابها للتهميش الاجتماعي, والتشكيك في الاخلاق و المواطنة ...
إن برمجة المؤامرة الخارجية تؤثر في واقع المصابين بها لدفعهم لمعادة كل جديد, ومقاومة كل تطور... واليوم إذا ما عندنا لسير هؤلاء الناجحين من أصحاب البصمات التاريخية فأننا نجد في حياتهم لحظات مريرة تصارع فيها طرفان أولهما الخوف على ما هو في أيديهم من قوت يومهم أو رضى من حولهم عنهم بما يخالف قناعاتها, مع طرف آخر هو الطموح الجامح و الفكر الحرّ الذي يدفعهم للخروج عن المألوف و المضي قُدُماً لتحقيق الذات الباحثة عن الأفضل...
فالكثير من رجال الأعمال و الكتاب و الصحفيين..... الخ
لم يرضوا بوهم المؤامرة الخارجية التي أحاطهم بها رؤساؤهم في العمل وتحملوا نتائج طردهم من وظائفهم ليبدؤوا بتحقيق أحلامهم دون قيود أو شروط كابحة...
وكم من فيلسوف, وعالم, ومفكر لم يرضخ لأهواء مجتمعه, وطرق التفكير التي رأى فيها جمود للعقل و الفكر و اختار الثورة على واقع المؤامرة المحيطة به ليأتي بما هو جديد و فريد!!!
وكل تلك المؤامرات الخارجية التي تحيط بالشعوب في كل مكان و زمان تعود لجهات حكومية كبرة قادرة على بناء نظام إعلامي معقد يدخل في أدق التفاصيل اليومية لدى المواطن لفهم ماهية تفكيره, وتلقينه مستوى محدد من الطموح, والخوف فلا يزيد هذا عن ذاك إلا بقدر متوازن يضمن استقرار المصالح الحكومية الكبرى, ويقمع الحركات الداخلية ذات الطموح بالتغيير السياسي, والاقتصادي, والاجتماعي .
وهنا تعتمد هذه البرمجة على أخطر أدواتها و هي التقسيم و التجزئة فليس هناك عدو يكشر عن أنيابه بل أنهم أعداء كثر منهم من في الداخل, ومنهم من في الخارج, فزرع الخوف في نفوس طائفة دينية من طائفة أخرى يضمن للسلطة لجوء الطائفتين إليها كنصير وحامٍ مما يجعلها الطرف الأقوى في الصراع القادر على فرض شروطه بقوة القانون التي يملكها و يستطيع التلاعب بها كيفما شاء, وكذلك الأمر في حالات تقمع فيها الحركات الداخلية بحجة الخطر الخارجي و الأمن القومي العام ليجد المواطن نفسه بين حجري الرحى من سلطة لا ترضيه سياستها, وبين الخوف من خطر خارجي قادم قد يكون الأسوء... وهنا أيضاً يكون للخطر أشكال مختلفة تبعاً لطريقة ترويجه كالخطر القادم من عنصرية قومية, أو دينية, أو من مطامع جغرافية أو اقتصادية, أو استراتيجية....
وبالتالي فإن المؤامرة الخارجية ما هي إلا دوائر مغلقة تحيط ببعضها البعض لتتشابك في أماكن, وتنفصل في أماكن أخرى لتحيط بجميع جوانب الحياة العامة و الخاصة التي نعيشها, وكأنها شبكة العنكبوت كلما زاد الإعلام فيها خيطا زادت الشبكة معه تعقيداً و متانه لتطبق على كل ما تحتها و تفرض على الشعوب نمط, وأساليب التفكير و حدود الرغبة و القناعة التي تريد, و كلما كسر أحد قيد هذه الشبكة عادت لتخيط خيوطا جديدة تسد بها الثغرات و تسكت بها الأصوات ..!!

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;