يسجل التاريخ أن (الأزهر) أنشئ فى أول عهد الدولة الفاطمية بمصر جامعا باسم (جامع القاهرة، الذى سمى الأزهر فيما بعد) حيث أرسى حجر أساسه فى الرابع والعشرين من جمادى الأولى 359هـ/970م ، وصلى فيه الخليفة المعز لدين الفاطمى ثانى خلفاء الدولة الفاطمية صلاة الجمعة الأولى من شهر رمضان سنة 361هـ/972م ، إيذانا باعتماده الجامع الرسمى للدولة الجديدة ، ومقرا لنشر المذهب الشيعى فى حلقات الدروس التى انتظمت فيه ، وبدأها القاضى أبو حنيفة بن محمد القيروانى قاضى الخليفة المعز لدين الله ، وتولى التدريس أبناء هذا القاضى من بعده ، وغيرهم من علماء المذهب الشيعى ، وجانب علوم أخرى فى الدين واللغة والقراءات والمنطق والفلك.
وبقيام الدولة الأيوبية فى مصر (567هـ) تحركت بكل الجهد لإزاحة المذهب الشيعى وطمس رسوم الدولة الفاطمية ، وإحلال مذهب أهل السنة فى جامع الأزهر ، وفى عدة مدارس أنشئت لتعزيزه ومنافسته فى حركته المذهبية والعلمية الجديدة.
وفى العصر المملوكى بمصر اتجهت همة السلاطين من المماليك إلى إعمار الجامع الأزهر ، وإسباغ الرعاية على علمائه وطلابه بالمنح والهبات والأوقاف ، وأتيح للأزهريين المشاركة فى النهضة العلمية والاجتماعية والثقافية فى الدولة ، وتصاعدت هذه المكانة إلى أن كان لهم دور أكثر فى توجيه سياسة الحكم
وفى عهد الخلافة العثمانية بتركيا:
أنشئ منصب (شيخ الأزهر) فى أواخر القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) وحدث ركود نسبى إثر قيام السلطان سليم الأول العثمانى بترحيل عدد من علماء الأزهر إلى الأستانة -عاصمة الدولة العثمانية- وكانوا طائفة صالحة من نواب القضاة على المذاهب السنية الأربعة ، فضلا عن ترحيل عدد كبير من الصناع المهرة والعمال الفنيين.
ثم جاءت الحملة الفرنسية على مصر سنة 1798م ، وفيما يخص الأزهر أدرك نابليون بونابرت قائد الحملة مدى أهمية الأزهر ، وقوة تأثير شيوخه فى نفوس الشعب المصرى ، فحاول -ونجح- فى التودد إلى طائفة منهم ، وجعل ينتهز الفرصة تلو الفرصة للاجتماع بهم ، ويتحدت إليهم فى موضوعات علمية حول بعض آى القرآن ، ويشعرهم باحترامه لنبى الإسلام ، فيخرجون من عنده وكلهم لسان ثناء عليه ، يشيعونه فيمن يخالطونهم.
وعندما أنشأ نابليون (ديوان القاهرة) -مركزا للشورى وتبادل الرأى- ضم إلى عضويته هؤلاء المشايخ ، وكانوا أغلبية فى المركز والاجتماعات ، لكن هذا لم يغب عن الشعب المصرى إن السياسة الفرنسية سياسة خداع وتخديرة فثاروا على نابليون وقواده أكثر من ثورة ، وشاركهم الأزهريون أنفسهم فى ثوراتهم ، بل كانوا فى مقدمة الثائرين.
ولما استقر الأمر لدولة (محمد على الكبير) واتجه إلى الاستفادة من الحضارة الأوربية آنذاك واتجه إلى إرسال البعوث العسكرية والمدنية إلى إيطاليا وفرنسا وروسيا وغيرها ، اختار أعضائها جميعا من الأزهريين ، وبعودتهم تباعا انبعثت فى مصر -فى عهده وعهود أبنائه- حركة علمية ناشطة ، غطت ساحات العمل الميدانى من ناحية وساحات الترجمة والتعليم والإعلام والقانون من ناحية أخرى.
وحتى ذلك التاريخ كان التعليم فى الأزهر قائما على الاختيار الحر ، بحيث يختار الطالب أستاذه والمادة التى يقوم بتدريسها ، أو الكتاب الذى يقرؤه لطلابه ، ويعرض نصوصه نصًا نصًا ، فإذا اتم الطالب حفظه من علم الأستاذ ، وأنس من نفسه التجويد تقدم لأستاذه ليمتحنه مشافهة ، فإذا أظهر استيعابا ونبوغا منحه الأستاذ إجازة علمية مكتوبة ، وكانت هذه الإجازة كافية لصلاحه باًن يشتغل بالتدريس فى المدارس أو فى المساجد أو فى جامع الأزهر نفسه ، وظل العمل على ذلك حتى أواخر القرن التاسع عشر ، حيث استعيض عنه بنظام التعليم الحديث ، أو بنظام قريب منه بحسب الأحوال.
وواكب ذلك إصدار عدة قوانين لتنظيم العمل بالأزهر.
وأول هذه القوانين قانونا القرن التاسع عشر: أولهما فى سنة 1872م ينظم طريقة الحصول على العالمية وموادها ، وثانيهما فى سنة 1885م ، وأهم ما تناوله: تحديد صفة من يتصدى لمهنة التدريس في جامع الأزهر أن يكون قد انتهى من دارسة أمهات الكتب فى أحد عشر فنا واجتاز فيها امتحانا ترضى عنه لجنة من ستة علماء يرأسهم شيخ الأزهر.
وفى بداية القرن العشرين استصدر قانون سنة 1908 فى عهد المشيخة الثانية للشيخ حسونة النواوى ، وفيه تم تأليف مجلس عال لإدارة الأزهر برئاسة شيخ الأزهر ، وعضوية كل من مفتى الديار المصرية ، وشيوخ المذهب المالكى والحنبلى والشافعى واثنين من الموظفين.وفيه أيضا تقسيم الدراسة لثلاث مراحل: أولية وثانوية وعالية ، ومدة التعليم فى كل منها أربع سنوات ، يمنح الطالب الناجح فى كل مرحلة شهادة المرحلة.
ثم تلاه القانون رقم 10 لسنة 1911 وفيه:
تجديد اختصاص شيخ الأزهر ، وانشاء مجلس الأزهر الأعلى هيئة إشرافية ، وتنظيم هيئة كبار العلماء ونظام التوظف بالأزهر ، وإثر صدور هذا القانون لوحظ إقبال المصريين على الأزهر ، وأنشئت عدة معاهد فى عواصم المدن المصرية.
وفى عهد المشيخة الأولى للشيخ محمد مصطفى المراغى أعد مشروع القانون رقم 49 لسنة 1930م ، لكنه اصدر فى عهد مشيخة الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى ويجمع الرأى على أن هذا القانون مثّل خطوة موفقة لإصلاح الأزهر ، ومكنه من مسايرة التقدم العلمى والثقافى والمعرفى.وفى هذا القانون حددت مراحل التعليم أربعة مراحل:
ابتدائية لمدة أربع سنوات ، وثانوية لمدة خمس سنوات ، وثلاث كليات للشريعة الإسلامية ، وأصول الدين ، واللغة العربية ، مدة الدراسة بكل منها أربع سنوات ، ثم تخصص مهنى مدته سنتان فى القضاء الشرعى والإفتاء ، وفى الوعظ والإرشاد ، وفى التدريس ثم تخصص المادة لمدة خمس سنوات تؤهل الناجح للحصول على العالمية مع درجة أستاذ ويعد هذا القانون الذى أنشئته بمقتضاه الكليات الثلاث والتخصصات المدنية والعلمية هو الإرهاص لميلاد جامعة الأزهر القائمة الآن بمقتضى القانون 103 لسنة 1961 م.
وصارت جامعة الأزهر هيئة من هيئات الأزهر الشريف ، تختص بالتعليم العالى بالأزهر ، إلى جانب هيئات أخرى للتعليم قبل المرحلة الجامعية الأولى ، وأخرى للمجلس الأعلى للأزهر ، وثالثة لمجمع البحوث الإسلامية الذى يختص بنشر الثقافة الإسلامية وتجلية التراث وتنقيته من الشوائب التى علقت به ، وبشئون الدعوة والوفود الطلابية فى العالم الخارجى وإعاشتهم ، وقد أنشئت لهم مدينة سكنية للإعاشة والإقامة والرعاية البدنية والنفسية ، وخاصة لمن يأتون الأزهر على منح يقدمها لهم ، بالإضافة إلى المنح التى تقدمها وزارة الأوقاف المصرية (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) هذا بالإضافة إلى الوفود الإسلامية المتبادلة ، والمراكز الثقافية الإسلامية التى أقامتها مصر فى عديد من البلاد الأوروبية الأمريكية والأفريقية وكذلك المعاهد التعليمية.
ولا ننسى أنه بصدور القانون الأخير رقم 103 لسنة 1961م وتحول النظام التعليمى إلى النظم التعليمية الحديثة ، وتوسع الأزهر فى نوعيات وتخصصات التعليم والبحث العلمى للبنين والبنات على السواء ، وضم إلى الكليات الشرعية والعربية كليات للطب وطب الأسنان والصيدلة والعلوم والتربية والهندسة ، والإدارة والمعاملات ، واللغات والترجمة ويتلقى طلابها قدرا لا بأس به فى العلوم الدينية ، لتحقيق المعادلة الدراسية بينهم وبين نظرائهم فى الكليات الأخرى.