إن المجتمع على الدوام يحمل في ثناياه بعض الفِكَر والآراء المغلوطة من بينها فكرة المقارنة الدائمة بين أمهات الحاضر والماضي.. وبشكلٍ مستمر يوجه الرجال بل وبعض النساء للمرأة اليوم أنها امرأة مدللة لديها الأجهزة الحديثة وأنها نالت حظها من الترفيه أكثر من السابق.. إذا سلمنا جدلًا لتلك الآراء خشية تعنت العقول.. فهيا بنا نعقد مقارنةً بين تلك الأم من الأزمنة الماضية وأم اليوم..
الأم سابقًا كانت تقوم بكل أعمال المنزل وبدون أجهزة حديثة وتعجن وتخبز وتغسل وتنظف البيت، والبيوت ما أبسطها كلها كنب وحصر..وما تطهوه من طعام يأكله الجميع وهم في رضا.. ثم تستريح بعد ذلك العناء وهي مرتاحة البال وقد أخذت قسطًا من نور الشمس وتناول بعض الغذاء الذي هو رغم بساطته إلا أنه صحيًّا أكثر..
ولكن أين أولادها؟!
إنها إن أطلقتهم بالشارع لا تخاف عليهم.. إنهم يقومون بواجباتهم بمفردهم.. إنها لا تشغل بالها بزرع القيم داخلهم.. فالقيم يغرسها معها كل المجتمع المتمثل في العم والخال والجد والجدة والمدرسة والمعلم وربما بائع الحلوى..
ولكن الآن..
آن لنا أن نلقى الضوء على الأم القابعة في العصر الحديث إن لديها بيوتًا مكدسة بالأجهزة الحديثة ولكن لديها أعباء كثيرة جدًا.. إلَّم يكن لديها عجن وخبز، فلديها سجاد وستائر وأتربة تعلق بكل شئ إن تركتها يومًا واحدًا، وسُلَّم وأرضيات وجدران لابد أن تكون لامعة دائمًا.. وزوج وأولاد متطلباتهم من أصناف الأطعمة لا تنتهي، لابد أن تتفنن وتجتهد كي تضاهي تلك المطاعم التي ملأت الكون حتى تجذبهم لتناول الطعام الصحي..
ولكن.. أين أولادها؟!
إنها إن تركتهم بالشارع خافت عليهم.. إذا ساروا مع أي صديق خافت عليهم.. في تعاملهم مع وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة يصيبها الزعر خشية أن ينضموا لأي جماعات أو تنتقل إليهم أي ثقافات تؤثر على مستقبلهم..وبالطبع نحن في غنى أن نتحدث عن أعباء مذاكرة الأولاد.. وما أدراكم كيف تكون المذاكره للأولاد مع مراعاة نفسيتهم.. وتشجيع هم الدائم..
إن أم اليوم أمٌ طالبت بحقوقها فكافأها المجتمع بالذهاب للعمل..وعاقبها الرجل بتجاهل أنوثتها..
إنها الأم التي تستقي كل يوم آشعة الشمس الضارة والطعام الملوث..
إنها الأم الأقل صحة.. المُتحملة للنقد بشكل دائم من الأزواج وكبار السن الذين يوجهون لها لومًا دائمًا ودائماً ما يقارنون بينها وبين الأم القابعة في الأزمة المنصرمة..
إنها الأم التي تواجه تحديات المجتمع بكل صلابة ومازالت تتحمل..
إنها الأم المظلومة من الرجل الذي ما برحت تلك الكلمات لا تغادر لسانه أو لسان حاله : أن ماذا تفعلين في يومك؟!
أيها المجتمع.. رحمةً بها فإنها من صلبك ورحمك.. بل إنها الحياة..