لم أتمكن من التوقف عن قهقهاتي المتوالية حينما كانت تقول لي صديقتي أن طلاقها كان بسبب السكر والملح... وظللت أكرر عليها :اصدُقيني بحق الله هل ما تذكرينه صحيح أم تمزحين؟! فسرعان ما تجيب: لستُ بكاذبة، فقلت لها: قصي على ماحدث ، فتنهدت ثم قالت :لا يمكنني أن أتواري من هول ما لحق بي، هل كنت بذاك السوء حتى يلقيني قومي بالحصيان؟! لم يكن أنيني إلا شيئًا داخل نفسي، يسري بكياني ولا يلتمسه أحدٌ غيري، هل رأي أحدٌ أدمعي المفعمة بوجنتيّ؟! تلك أنفاسي التي مازلت أعدها وأنا أجثو نحو المستقبل متثاقلة الخطى... ما معنى أن يطلقني زوجي فيطلقني العالم بأسره؟! هذه علاقتي أنا.. بيني وبين شخص كنت أعده مددًا وحبًا... ولكن لم يكن.. تلاحقني تعليقات ماجنة في صحوي وسُباتي... إن عواجيز الأفراح ما برحوا تلذذًا بسيرتي كلما وطئت قدمي أي مناسبة...

لقد ءانَ لي أن أعترف أمام العالم إن كلًا من السكر والملح كان سببًا في طلاقي.. فكم من حين أعددتُ الطعام بالسكر وبعض المشروبات بالملح... ثم سرعان ما استطردت بكلمات حانقة ثم ودعتني وعادت أدراجها.... ولكن التأمل لازمني في سيرتها المتلاحقة على ذهني .. وظللت في دهشة من صنيع الله تعالى.. إنه سبحانه لا يعجزه شئ، فهو جلّ في علاه يقول للشئ كن فيكون وما كان يعجزه أبدًا أن يُسري بقانون التضاد فيجعل الملح أسودًا والسكر أبيضًا حتى نَمِيزَ الحلو والحادق، ولكن له في خلقه شؤون... إن الله يأمرنا بالصبر والهدوء في فعل الأشياء.. وإذا تمهلنا قليلًا لنسترجع بالذاكرة فسنري أن أحدنا قد استبدل السكر بالملح أو العكس في حياته ولو مرة على أقل تقدير... إن الشيئين اللذين بإمكانهما أن يضبطا حياتنا متشابهان، فلابد علينا أن نستعمل كل حواسنا ونحن نسير بتلك الحياة.. إذا أعملنا رؤيتنا فقط بالحكم على الأشياء فسوف نستبدل حتمًا السكر بالملح، أما إذا استخدمنا حاسة التذوق واللمس إضافةً على الرؤية فليس هناك مجالًا لعدم التفريق بين أي متناظرين.. إن الله يدعونا للتؤدة والتريث في الأمر كله... عسى ألّا نخفق في كثيرٍ من الأشياء..

علموا أولادكم منذ نعومة أظفارهم أن هناك شيئًا يُستخرج من البحر الأبيض ولونه أبيض اسمهُ ملح... وهناك شيئًا يُستخرج من العسل الأسود ولونه أبيض أيضًا اسمه سكر... حتى يدركوا الأشياء، فيتذوقوا طعم الحياة.