الانترنت هي أكبر خطر جيوسياسي قد يدمر ركيزتي المجتمع كل مجتمع حديث يعتمد على ركيزتين أساسيتين:
١- دعامة ثقافية: مناقشة الأفكار في إطار القيم المشتركة التي تضعف الرغبة الثورية. إن الوعي المشترك لا غنى عنه للمناقشة السياسية السلمية، مثل الشعور بالوطنية والقومية، اللغة الجماعية، أو الثقافة المشتركة، التي تمنع الخلاف الإيديولوجي من الوصول إلى العنف.
إن الوقت الذي يكرس في الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعية والتأثير، قد يؤدي انجرافات خطيرة وغير عادية، لان ٤٨٪ من المصريين مستخدمي للإنترنت و ٥٩٪ منهم يحصلون على المعلومات من فيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي. وهناك الكثير من الأدلة ان تم اخترقت ادارك العامة ورأيهم بشأن قضايا سياسية أو اجتماعية بعد مشاهدة الاخبار ذي الصلة من على الشبكة الاجتماعية. مثل هذه الاختراقات الفكرية، التي قمت بتحليلها منذ تأسيسي لعلم هندسة النظم الاجتماعية، قد تمثل في حد ذاتها تهديداً علي الوطنية والقومية المصرية: فهي تحل مكان الثقة المتبادلة الموروثة بين طبقات المجتمع والتي هي في أساس الهوية المصرية. وبذلك تستبدل الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الاعلام التقليدي لإضافة التعددية الفكرية، ومنها بالاخبار والمعلومات الكاذبة خلخلة التماسك الاجتماعي للمجتمع المصري.
٢- دعامة عضوية: اختيار القادة في سياق المنافسة العادلة لضبط الإغراء بالسلطة، ولتكون الطريق السلمي للتناقض السياسي والمنافسة الشريفة.
إن غزو شبكات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث بكمية متزايدة من الأخبار المزيفة يعطي إلى ازدواج للأيديولوجي، ومنه خلخلة الثقة في النظام الاجتماعي، ثم النظام الاقتصاد، ثم النظام السياسي. ولسوء الحظ تحمل هذه الاخبار الكاذبة قوة عاطفية أقوى من الاخبار الحقيقية، وهذه القوة تضمن لهم التكرار والتكرار على الشبكة الاجتماعية، وللاسف التكرار يدخل بشكل غير مباشر للعقل الباطن لوهم الحقيقة واستبدالها بالاكاذيب. وقد أسمت ادارة الإدراك للوهم باسم "الحرب الدافئة"، لأن فيها المشاعر كذخيرة الرئيسية للتضليل الرأي العام، ولانها تستخدم نقاط ضعف مستخدمي الإنترنت، كالحالتهم المعنوية والعاطفية، لتحقيق غاياتها. لقد غيّرت منصات الإنترنت المحفزات بشكل كبير لتبادل المعلومات. نظرًا لأنهم يتنافسون على جذب انتباهنا لتحقيق إيرادات إعلانية، فإن المنصات الالكترونية تروج للمحتوى الذي تم دفعه بالإعلانات لمشاركته، بغض النظر عن صحته وحيادته.
مع إدراك الخطر الذي نواجهه، والذي يمكن للوكلاء الأجانب، وباقل استخدام للموارد البشرية والمالية، بالتأثير علي عشرات الملايين من المواطنين؛ فنحن في حاجة لدعم الصحفيين المحترفين، لان دورهم اصبح اهم اليوم في الابلاغ عن المعلومات الكاذبة، بل والاتفاق على نشر الحقائق التي لا تحدث خلاف في التحليل، ووضعها في قصة مقنعة وسلسة للجمهور.
الانترنت يسمح لنا بنشر الاخبار والفكر بتكلفة تكاد تكون معدومة، وتقدم لنا إمكانات لا نظير لها من المعلومات واكبر تنوع معرفي في تاريخ البشرية. ولكنها بكونها خارج منظمة ادارة الإدراك للمجتمع، وبإدارتها العشوائية، تؤدي إلى تعددية غير محدودة من المصادر الحقيقية والكاذبة، مما تضلل الرأي العام وتشتت النسيج الفكري للمجتمع ومنه تفتيت للهاوية المصرية إلي قوميات مختلفة، ثم اعلاء القومية علي حساب الوطنية، لتفتيت الدولة الوطنية إلي دويلات قومية.