وتطويرها والبحث عن صحتها ويعود الفضل لمن حاول إلتقاط الفكرة أو اثبات صحتها أو بطلانها وتحديثها وما وصلنا له اليوم هو بسبب علوم متراكمة من الزمن البعيد وكما في كل زمان تسطع أسماء عن أعمالهم ومناهجهم ويتوراثها البشر في جميع أنحاء العالم ويبقى الكثير محتفظ بما ناله من معرفة لهؤلاء والبعض الآخر نسيا منسيا إلا إذا كنت باحثا أو قارئا جيدا لشتى العلوم لتكتشف أسماء لم تسمع عنها إلا من خلال الصدفة وهذا يحدث أحيانا من خلال بعض عبارات المديح أو التحية المميزة لإمرأة ذات جمال فنشبهها بفينوس أو ربة الجمال أو كمينوفا ذات الحكمة الخاصة التي ذاع صيتها لحكمتها حيث عظمتها وصلت الآفاق أو كأفردوديت ذات الجمال الذي هيأ لها أن تكون علما ورمزا للجمال أو نشببها بإحدى جميلات المسرح أو الشاشة ممن تشبههن إلى حد ما
وإذا كان البعض من الذين يزهون بثقافتهم بالصور للجميلات اللواتي رسمهن بوتشيللي أو جيدو أو رومني أو يطلق على السيدة الحسناء اسم من اسماء ذائعات الصيت كمدام لبناس أو ماري أنطوانيت أو الإمبراطورة جوزفين فهذا من باب التشبيه لشخصية معروفة لا شخصية معنوية مجردة والبعض اتخذ منهجا معاكسا في نظرته وهذا حسب جاك روسو هو التدليس(أن تكذب لمصلحة نفسك) وهذا من خلال التدوين أو البحث عن فكر معين أو رمز معين أو تداولنا للحضارات وتجاهل الحقائق والثقافات القديمة ولا أحد ينكر أن الثقافة اليونانية كانت بسبب الحضارات الأقدم والأعرق من حضارتها واحتكاكهم بهذه الحضارات كان سببا لظهور حضاراتهم كالإمبراطورية المصرية القديمة وآثار بابل وآشور ومملكة كريت وامبراطورية فارس التي تأسست في عهد أكثر حداثة وكان أول الفلاسفة الأيونيين طاليس الملطي الذي اشتهر بمهارته لتنبؤ بالكسوف وقياس الأهرامات وأما بركليس فهو
أحد رواد حرية التعبير عن الرأي في العصور القديمة، حيث سبق رواد حرية النقد والتعبير اليونانيون (الإغريق) ومنهم سقراط وأفلاطون وأرسطو حيث ترك خطاباً عظيماً يتضمن مبادىء سامية من أبرز ما تضمنه ما يتصل بحرية التعبير والمناقشة، ومن الأفكار التي طرحها:
أن على كل انسان ان يبذل ما استطاع من جهد واهتمام بالحياة العامة لوطنه والا ينكب فقط على مجرد حياته الخاصة، وضرورة المشاركة في السياسة، فالناس سواء - لا امتياز بينهم -المناقشة هي الأداة الفعالة لتفهم المشاكل العامة والإسهام بدور في الحياة العامة في النظام السياسي
هي خطبته عندما وقف يرثي شهداء الحرب التي قامت بين أثينا وأسبرطة في الحفل الذي أقامه الأثينيون لرثائهم. وفي هذا الحفل كانوا يعرضون أشلاء الموتى ثم يقومون بعد ذلك بدفنها (شهداء السنة الأولى للحرب)، نعرض مقتطفات منها
لقد جرت العادة أن يمتدح الخطباء من قرر وأن نضيف إلى تشييع موتى الوطن رثاء لهم كقربان نضعه فوق قبورهم. وأما أنا فكنت أفضل أن لا نمجد الأفعال إلا بالأفعال، وأن نرى في تشييع الدولة لهؤلاء الأبطال أوفى تمجيد لفعالهم، وذلك لأني أخشى أن تعجز مواهب فرد مهما جلت عن تمجيد ذكرى هذا العدد الجم من الأبطال. وإنه لمن أشق الأمور أن نوفق في أمر تتفاوت فيه النفوس، فقد يجد السامع الخبير من محبينا في اللفظ قصورا عما يعلم ويرغب، بينما يدعى السامع الجاهل أن هناك إسرافا في كل ما يجاوز طوق القائل. والمرء لا يستسيغ من مدح للغير إلا قدر ما يعتقد أنه قادر على مثله، فإذا تخطى المادح هذا المدى ولد الحسد الإنكار. ولكنه لا محيد لي اليوم ما دام هذا من تقاليد آبائنا- عن النزول على حكم القانون لأشبع رغباتكم ولأرضي أمل كل منكم...
وبالجملة أستطيع أن أؤكد أن آثينا هي مدرسة اليونان جميعا. ولو أنكم نظرتم إلى رجالنا لوجدتموهم من المرونة بحيث يتقبل الواحد منهم راضيا ما يصير إليه من مركز. ولكي تستوثقوا من أن ما أقوله ليس شقشقة باطلة، بل العبارة الصادقة عن الحقيقة الراهنة- أسائلكم أن تتدبروا القوى المختلفة التي يمنحها ما ذكرت من مثال، فأثينا من بين شعوب الأرض يصدق خبرها خبرها ما جد جد...
دستورنا لا يثبت له في المقارنة دستور، الكل ينقل عنا بينما نحن لا ننقل عن أحد، لقد أسميناه ديمقراطيا لأنه يضمن الخير لأكبر عدد لا لأقله. نحن جميعا سواسية أمام القانون لا يتميز أحد منا بمجد إلا بمواهبه. والمواهب الشخصية لا الفوارق الاجتماعية هي التي تفتح عندنا أبواب المجد، وما للفقر أو تواضع الأصل أن ينحي مواطنا عن خدمة وطنه...
نحن نعرف كيف نفهم مصالح الدولة ونكشف عنها بأنفسنا، وعندنا أن القول لا يضر بالعمل، بل الضرر هو ألا نستنير...
بركليس
عاش مابين (495-429) قبل الميلاد وتزعم الحزب الوطني وأدار شؤون البلاد أكثر من ربع قرن (460ـ428) ق. م ويعد من أكبر رجال الدولة في أثينا حيث بسط سيادته على سائر المدن وبلغت أثينا في عصره عصرها الذهبي فقام على تشجيع الأدب والفنون وأغنى أثينا بالمباني والآثار الأدبية والتماثيل
وأما اصلاحاته
عملت على زيادة سلطه الشعب زيادة عظيمة ومما دفعنا لقول هذا هو
1- رفع أجر القضاة في مجالس التحكيم إلى أبولتين 34/100 ريال أمريكي ثم رفعه مرة أخرى إلى 3 أبولات.
ولو إن هذا الأجر القليل نسبياً دفع البعض إن تلك الخطوة كانت سبب في انحدار المستوى الإغريقي نظرا لترقي مستوى الأجر للقضاة ؛ بغض النظر في الأصل عن هل تجوز للدولة إن تؤجر قاضيها وهيئة محلفيها.
2- إضافة إلى ذلك فقد اعتمد بركليس " ابولتين" لكل مواطن أجراً لدخوله ومشاهدة ما يعرض من المسرحيات والألعاب؛ فقد كان يرى أن الألعاب لا تعد ترفهاً تختص به الطبقات العليا والوسطى بل كان هدفها من وجهة نظره رفع المستوى العقلي والفكري للناخبين من العامة.
في المجال الاجتماعي
حرم عقد زواج شرعي بين مواطن وغير مواطن وكان هدفه من ذلك إقلال الزواج من الأجانب وإقلال عدد الأبناء غير الشرعيين لكي يحتفظ أهل أثينا بحقوقهم الوطنية ومزايا الإمبراطورية ولكنه سرعان ما أدرك ما وقع فيه من خطأ لهذا التشريع الضيق المانع.
فى المجال الاقتصادي
عمل على تخفيف الضغط على موارد اتيكا وذلك بإسكان جاليات من فقراء أثينا في الدول الخاضعة وهيئ المتعطلين للعمل وفى عهده زادت القوى العاملة زيادة كبيرة لم يكن لها نظير في بلاد اليونان من قبل فزاد عدد سفن الأسطول وانشأ دور الصناعة وبنا في بيرية مصنع لتجارة الحبوب.
فقد حقق بيريكلس لأثينا نشاطاً تجارياً ممتازاً عن طريق دعمه قوة الأسطول الأثيني وضمان الأمن والاستقرار السياسي. ونتيجة لتزايد قوة العملة الأثينية في أسواق العالم فقد نشأت طبقة أثرت من التجارة، وعملت على تنشيط حركة الاستعمار الاستيطاني في معظم مناطق حوض البحر المتوسط مما أدى إلى زيادة دخول الدولة بدرجة مكنتها من الإنفاق ببذخ على تجميل مدينة أثينا وتأهيلها لاحتلال مركز الزعامة.
في المجال العسكري
قام ببناء أسوار تجاوز طولها عن ثمانية أمثال سميت " الأسوار الطويلة " وجعلت هذه الأسوار مدينة أثينا ومرفأيها كنفاً واحد حصيناً لا يتوصل إليه في وقت الحرب إلا عن طريق البحر.
فكان من أكثر السياسيين والخطباء البارزين فى تاريخ اليونان. واسمه يعني "المطوق بالمجد"
كان له تأثير عميق على المجتمع الأثيني, لدرجة أن المؤرخ ثيوكديديس الذي عاصره قد لقبه بـ "المواطن الأول في أثينا". وقد تمكن بركليس من تحويل الاتحاد الديلي الذي ضم أثينا مع بحر إيجة والمدن الأيونية, وضم 173 مدينة إلى امبراطورية أثينية تناطح أعظم الامبراطوريات في تلك الفترة.
وإليه يرجع الفضل فى اكتساب بلاد اليونان مكانتها العلمية والثقافية الراقية فى العالم القديم,
وقد بدأ مشروعاته الإصلاحية الطموحة ببناء المعابد الأشهر فى اليونان وهو معبد الأكروبولس والبارثينون, الذي كان له دورا هاما جدا فى تجميل المدينة واظهار عظمتها. ومن الناحية السياسية فقد عمل على مبدأ الديمقراطية الأثينية والمشاركة بين كل طوائف الشعب لدرجة جعلت النقاد يطلقوا عليه لقب "رجل الشعب".
ويمكن الإستشهاد على أعماله من خلال الأعمال الأدبية والفنية للعصر الأثيني الذهبي الذي بقي منها الكثير حتى عصرنا الحالي, حيث يصفه المؤرخون بأنه حول مدينة أثينا ومنحها الخلود, وشأنه في التاريخ شأن الإسكندر المقدوني وغيره من القادة العظماء في التاريخ اليوناني, فكان وجوده برهاناً يثبت به التاريخ المبدأ القائل بأن خير وسيلة لتنفيذ الإصلاحات هي تلك القائمة على أسس الحرية والتعاون وأن أضمن الطرق لتثبيت هذه الإصلاحات زعيم حذر معتدل ، يستمتع بتأييد الشعب.
التغير الكبير الذي حل ببركليس بعد دخول أسبازيا إلى حياته الخاصة وحياة اليونان العامة وكذلك انقطاعه عن الحياة الإجتماعية وانشغاله عن شئون الحكم ، كان هذا كله صدمة قوية لمشاعر المحافظين من الأهلين ، فأخذوا ينددون ببركليس لأنه يدفع اليونان لحرب اليونان كما حدث في إيجيناو ساموس ، ثم اتهموه بأنه يبدد الأموال العامة ، ثم سلطوا عليه الممثلين الهزليين فأساءوا استخدام حرية الكلام التي سادت أثينا في عهده ، فاتهمه هؤلاء بأنه جعل داره بيتاً من بيوت الفساد السيئة السمعة ، وبأن بينه وبين زوجة ابنه علاقة غير شريفة. وإذ كانوا لا يجرؤون على عرض تهمة من هذه التهم علناً أمام القضاء أخذوا يهاجمونه بالكيد لأصدقائه. فاتهموا فدياس باختلاس بعض الذي عهد إليه لصنع تمثال أثينا الذهبي العاجي ، ويلوح أنهم أفلحوا في إثبات التهمة عليه. ووجهوا إلى أنكساغوراس تهمة تتعلق بالدين، ففر الفيلسوف إلى خارج البلاد اتباعاً لمشورة بركليس
ووجهوا تهمة دينية أخرى إلى أسبازيا مضمونها أنها لا تخضع لأوامر الدين ، وإنها جهرت بعدم تعظيمها آلهة اليونان. وهجاها الشعراء الهزليون هجاءً قاسياً ووصفوها بأنها ديانيرا Deianeira التي أهلكت بركليس وأطلقوا عليها بلغة يونانية صريحة اسم العاهر ، واتهمها واحد منهم يدعى هرميپوس Hermippus بأنها تعمل لكسب المال من طريق غير شريف ، ذلك بأنها قوادة لبركليس ، تأتي إليه بالحرائر ليستمتع بهن ، وقدمت للمحاكمة ونظرت قضيتها أمام ألف وخمسمائة من القضاة ، ودافع عنها بركليس دفاعاً مجيداً استخدم فيه كل ما وهب من بلاغة ، بل إنه استخدم فيه دموعه نفسها ، ورفضت الدعوة. وبدأ بركليس من ذلك الوقت يفقد سيطرته على الشعب الأثيني ، ولما وافته منيته بعد ثلاثة سنين من ذلك الوقت كان قد أصبح رجلاً مهدماً كسير القلب والجسم.