فيلم لحظات أفريقيا الفانتازية بين دياجير الظلام وسطوع الضياء

فيلم لحظات أفريقيا الفانتازية بين دياجير الظلام وسطوع الضياء

يصور الفيلم لحظات أفريقيا الفانتازية. بين دياجير الظلام وسطوع الضياء وأحراش الغابات العذراء يعيش الصياد "سولومون" "دجيمون هونسو" وأسرته، الأسرة سعيدة والأجواء شاعرية دافئة والطبيعة تزخر بالحب والجمال، في الصباح الباكر تمتزج ترانيم الرعاة وصفير الفلاحين مع دخان يتصاعد من البيوت الغافية في أحضان القرية، وفي الأمسيات المبللة بمرح الحكايات والنكت تغرد الطيور في الجداول المائية وينساب نهر الأغاني على وقع الشواطئ اللؤلؤية.

تسير الحياة وكأنها حديقة حافلة بالورود والحبور، وفجأة وفي وسط الحقول تظهر الجبهة الثورية المتحدة المهووسة بالقتل الجماعي، والاغتصاب، وبتر الأطراف، تزهق الأرواح، وتنهب الأموال، فتعيث فساداً في القرية، وتحدث المجازر، وتعم النكبة على سكانها، في هذه الأثناء يهرول البطل من المزرعة يمني النفس بانتشال أسرته من براثن الردى، ولكن يقع في أيدي العصابات، ويفقد أسرته التي نزحت إلى دولة مجاورة بحثا عن أمان لتنتهي بها المطاف إلى ثاني أكبر مخيم في العالم.كنتُ أحس بمرارة الغربة واللجوء لأنني أنتمي إلى شعب يعرف جيداً معنى التشريد والتبعثر الجغرافي، حيث انقسم الصوماليون إلى دول الجوار تأويهم المخيمات المهينة تحت رحمة القسوة والترقب لقادم طال انتظاره.

من هنا بدأ "سولومون" أصعب فصل في حياته، النضال والكفاح من أجل استعادة أسرته ولم شملها من جديد، ولكن لسوء الحظ المليشيات المعارضة تقود "ديا" ابنه البكر إلى معاقلها من أجل التجنيد الإجباري، وتستمر المعاناة في ظل وطن تسوده الكراهية وجبهات تهدف إلى النهب والتنكيل وتحارب من أجل الانتقام والانتصار العرقي، لا من أجل التغيير إلى الأفضل والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والمساواة.

تحوّل "سولومون" ما بين وليلة وضحاها إلى أسير لا يعرف مصير أسرته، انضم إلى الأسرى العبيد عمال البحث عن الماسة الدامية، وفي يوم من الأيام ابتسم له الحظ ووجد ماسة وردية مميزة تستطيع أن تنهي سنوات الفقر والحرمان إن وصلت إلى الأسواق العالمية، وبطريقة مثالية حفر الأرض للماسة متستراً بدخان الحروب وعتمة الصواريخ، وبعد استيلاء القوات الحكومية في تلك المنطقة وقع الأب المكلوم في أيدي القوات الحكومية لترسله إلى السجن، وفي غياهيب سجن "فريتاون" تعارف مع الانتهازي والجندي السابق لزيمبابوي "داني أرتشر" "ليوناردو دي كابريو".
المعرفة الشخصية للمغامر الإفريقي الأبيض ولُجة الحروب ووجود الماسة النقية أصبحت له حبل النجاة من السجن، حيث أخرجه تاجر الألماس من أجل البحث عن الكنز المدفون في أحراش "سيراليون" الغنية بمواردها والفقيرة بغباء السياسة التي جعلت الشعب بائسا ينتظر المساعدات وينتج الأماني.

انتشر الخوف والرعب على أيدي حفاري القبور فتحولت نعمة الثروة إلى نقمة حقيقية في "سيراليون" وكافة إفريقيا منذ بداية الاستعمار إلى يومنا هذا، وتسببت الحقب المفعمة بالدماء والثورات الانتهازية من أجل الحكم وسيطرة مناجم "الألماس والذهب والبوكسيت" في عدة انقلابات لم تكن كفيلة بترجيح الكفة لصالح مستبد معين فتطورت الحالة إلى حرب أهلية شاملة.

"ديا" الجميل البارع في كرة القدم والمدرسة كان من ضمن الأطفال الذين اختُطِفوا من أجل التجنيد والحروب، واجه الطفل مأساة حقيقية وتحولات كثيرة في شخصيته ومورس ضده العنف الجسدي والنفسي ليكون جلاداً لا يرحم، وفي غضون سنوات قليلة اختفت البراءة وبات الطفل قاتلاً يتلذذ بتعذيب الضحية ومصاصاً صغيراً للدماء، جسده نحيل وملامحه مثقلة بالخوف وعيونه غامرة بالشر والكراهية والمخدرات، فَقدَ طفولته وإنسانيته وأصبح وحشاً كاسراً واختفى المرح المطبوع على جبينه الأسمر.

"آتشر" مهرب الثروات من البلاد المنتجة إلى البلاد المجاورة لتصديرها كان يحاول استغلال الإفريقي البسيط نظراً للظروف الأسرية الحرجة التي يمر بها، وهذا أسلوب شائع في أفريقيا حيث الأشخاص ذوو النفوذ الواسع، والشركات العابرة للقارات الطامعة غالباً في الاستيلاء على قطاعي النفط والتعدين، والدول المجاورة للدولة المنكوبة يحاولون السيطرة على الوضع وإثارة الحروب والنعرات وإبعاد الحلول، ففي مأساة "سيراليون" كانت ليبيريا ورئيسها السابق عبئا على استقرارها.

تجوّل البطل في مناطق الأزمات بحثاً عن أسرته وكنزه، ويموت صيّاد الثروة على تخوم مناطق التعدين وتجتمع الأسرة من جديد، ولكن المأساة لم تنته وفجائع الحروب مازالت تتجدد في أفريقيا.

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;