في سلسلة الحرب الاقتصادية التي تشنها ترامب لتقليص التوازن الاقتصادي في التبادلات التجارية، فرضت إدارة ترامب في بداية السنة عقوبات على الصين، ثم مع منتصف العام على الحليف القديم- الذي استفاد من مشروع مرشال- أوروبا وخاصة على الحديد والصلب، تم تلت كندا، وبعد انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية مع إيران- GCPOA- تابع مسيرة الرئيس أوباما بفرض عقوبات على إيران، كإجراءات تأديبية.
ثم في الأسبوع الماضي تحت ذريعة كاذبة، وهو القس الأمريكي الجاسوس، والمتهم بالإرهاب" أندروا روبنسون"، طلبت إدارة ترامب الإفراج عنه فورا. باسم نائب ترامب" مايك بنس" وهذا النائب من المسيحيين الإنجليين اليمنيين المتطرفين. وتمادى في لغة التهديد والبلطجة قائلا، ستلقى تركيا عقوبات اقتصادية قاسية إذا لم تفرج عن ربنسون فورا. تجاوزا في ذلك سيادة دولة عظيمة كتركيا، واستقلال القضاء فيها. لتتدخل في شؤونها الداخلية ماهو مخالف للقوانين والدولية ومواد الأمم المتحدة.
طبعا رفضت تركيا تسليم القس الجاسوس، ففي شهر يوليو الدابر فرضت إدارة ترامب عقوبات اقتصادية على وزيرين في الحكومة التركية، وقامت تركيا بالمعاملة بالمثل، وسيستيماتيكيا فقدت الليرة التركية 34% من قيمتها. ثم في الأسبوع الماضي من هذا الشهر ضاعفت ترامب العقوبات ففقدت الليرة 24% من قيمتها. وبما أن تركيا دولة اقتصاية قوية وتعاملها البنكي مرتفع، تأثرت هبوط الليرة التركية بعملات دول كثيرة لها علاقات اقتصادية مع تركيا بسبب الديون المستحقة. فمع تراجه الليرة التركية، تراجعت أيضا الوربل الروسي، والبيسوا المكسيكي، والروبية الهندية، وحتى الأسهم السوقية في كل من وول ستيرت سنتر، في نيورك شاهدت هبوطا دراماتيكيا. وخبراء الاقتصاد يسمون هذا Contagion- أي التأثير السلبي لتراجع عملة دولة متطورة اقتصاديا.
وكما يعرف كل مبتدئ في علم الاقتصاد، ففقدان القيمة بالعملة المحلية بعد أزمة اقتصادية نابع دائما عن فقدان المستثمرين الثقة باقتصاد هذه الدولة، وينسحبون من أسواق هذه الدولة، فتفقد العملة قيمتها. وهذا ما حدث بعد العقوبات وفقدت المستثمرين الثقة بالليرة التركية فانهارت العملة ومعها هبط اقتصاد الدولة. ونتيجة هذا أنها تسبب تضخم في اقتصاد الدولة، وتهبط الأسعار، وتعجز الدولة عن استيراد البضائع لأن عملتها نزلت مقابل الدولار. ما هي الحلول لمثل هذه الأزمات؟
في حالة تركيا هناك ثلاثة حلول رئيسية وإجراءات آنية.
1- تسليم القس ربنسون لأمريكا.( لكن في هذه الحالة تفقد تركيا احترامها وسيادتها، لأن أقدس شئ لكل دولة هي السيادة، فعندما تفقد سيادتك وتقبل إملاءات دول أخرى تعني أنت دولة فاشلة).
2- اللجوء إلى منظمة صندوق النقد الدولي، ويقوم الصندوق بقرض وتقديم ديون للدولة، وتضخ العملة الصعبة في نظامها البنكي، حتى لا تنهار العملة كليا. هذا الذي حدث مع دولة أرجنتين في العالم الماضي، لما عانت من مشكلة في عملتها المحلية. لجأت إلى صندوق النقد الدولي.( وفي هذه الحالة، الدولة تصبح عبيدة لأجندات الصندوق النقد الدولي، وتملي عليك كيف تدير دولتك، وسياستها، وتشاهد اقتصاد الدولة كسادا، ويرففع الفوائد بدرجة يصعب سداد الديون دون جدولة. ويطالب بتطبيق سياساتها التركيعية، كالسماح وتقنين بزواج المثليين مثلا وغيرها من الإصلاحات الاقتصادية التي تميت الدولة. وهذه لدولة ذات سيادة تعتبر إهانة أخرى- طبعا لم يفعله أردغان ولا أعتقده سيفعل يوما).
3- أما الثالث: على مستويين. أ- يقوم البنك المركزي التركي بضخ الأسواق التركية في المال الاحتياطي للدولة. وهذا الذي فعله يوم أمس قام البنك المركزي التركي بضخ 6مليارات دولار أمريكي، 10 مليارات ليرة، 3 مليارات دولار ذهب في السوق المحلي. ب/ البحث عن مستثمرين، لإعادة الاستمثار في الدولة/ سواء هم أشخاص أم مؤسسات، أم دول، ثم يقوم هؤلاء بشراء العملة المحلية ما يزيد من قيمتها، ويرجع الثقة في المستثمرين وتكون الدولة قادرة على دفع ديونها الخارجية مثلا. ( لكن هذه الحالة يتطلب البحث الحثيث، عن دول أو مؤسسات تملك الكثير من المال.- إذ يحتاج الليرا التركية إلى ما يقارب 106 مليار-. لتعيد عافيتها. وكما نعلم جميعا هذا الذي فعله أردغان بقوة شخصيته، وخطابه المفوه، وسياسته الذي سماه( حلفاء جدد). وقد نجحت الإجراءات التي قام بها الرئيس أردغان.
فمثلا: قامت حملة بعنوان " ادعم تركيا تنصر أمتك" ودعت هذه الحملة المؤسسات والمنظمات والهيئات العربية، للمشاركة في دعم تركيا في حربها الاقتصادية على تركيا. والطلب من 10 ملايين مسلم في شراء وادخار كل شخص 1000 ليرة. كما تطالب الحملة بعدم التعامل مع الدولار الأمريكي
ثم على مستوى الشعوب، توالت الزياترات إلى تركيا للسياحة دعما لاقتصادها، واشتعرى شعوب في مجال الصرافة العملة التركية، من الكويتين والقطريين ودول آسيوية، وفي الداخل طالب اردغان شعبه (80 مليون)، بمقاطعة المنتجات الأمريكية الالكترونية كآيفون. كما أن شركة ALIBABA- الصينية قامت بضخ السوق التركي ب 500 مليون مثلا، وروسيا، وبلدان أوروبية وعلى رأسها ألمانيا.
النتيجة: سلسلة الإجراءات التي قام بها أردغان في صبيحة اليوم ترتفع الليرة 6%، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد يقوم بزيارة تركيا اليوم، كتحفيز وزيادة الثقة بالمستثمرين. أما تركيا فقامت بمضاعفة الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية 120% على السيارات، 60% على التبغ، 140% على المشروبات الكحولية، و140% على مستحضرات التجميل. كما رفضت محكمة تركية في إزمير استئناف قضية القس روبنسون. الآن جنت جنون الأمريكان. لذا سماه أردغان بمعركة السيادة. الآن تتشاور أمريكا مستشار ترامب مع سفير انقرة في واشطن.
الدرس للقارة الأفريقية:
الرئيس أردغان درس وتخصص في العلوم التجارية. وهو القائل" إذا كان معهم الدولار فمعنا الله". يجب على الأفارقة أن يفهموا أن هذه الحرب ليس حربا بين الإسلام والكفر، ومحاولة أسلمة الأزمة من الرئيس أردغان لا يجعل منها حربا مقدسة.
إنها حرب اقتصادية. لأمريكا هي مسألة دينية، لأن القاعدة الشعبية للرئيس ترامب من الانجيليين المتشددين، ونائبه أحدهم فالقضية لهذه القاعدة مسالة دينية نعم، ولترامب هي مسألة تكسبية سياسية. بدليل أن هناك رجلا آخر متهم بنفس التهمة وهو" سيركان غولاك" أمريكي-تركي، ولم يحرك ساكنا، لأنه لا ينتمي إلى القاعدة الشعبية لترامب. ويحاول تكسبهم لانخبات نوفمبر القادم في أمريكا. أما لأردغان هي سياسية اقتصادية.( فلا أعرف حربا دينيا يقوم على رسوم جمركية على مشروبات الكحول). لكن رأينا كيفية اصطفاف كل أحزاب المعارضة مع الرئيس أردغان في هذه المهنة، لأن المسألة مستقبل الوطن، فتسقط الحزب وكل شئ معه. هكذا تتصرف أمة واعية.
ثانيا: يجب علينا كأفارقة شعبا وقيادة كبفية تصرف دولة مستقلة ذات سيادة على الإملاءات الخارجية، كما أكده وزير الخاريجية التركي" جاويش أوغلو" :" زمن البلطجة يجب أن ينتهي وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تبقى معتبرة فلا يكون ذلك عبر الإملاءات" . صدقت ياابن الأحرار. أظن كل الأمم فهمت هذا إلا الأفارقة والعرب.
رأينا في أفريقيا كيف تتسارع الحكومات لإرضاء فرنسا وأمريكا، رأينا كيف يمشي رؤساء أفارقة في مسيرات ومظاهرات لانفجار في صحيفة ملعونة شتمت رسول الله. رأينا كيف تتسارع رؤساء أفريفيا إلى الصندوق النقد الدولي والتنازل عن الموارد الطبيعية لدولهم مقابل ديون ياكلها هم وعيالهم، ثم نحن المواطنين وأبناؤنا وأحفادنل من يدفع الدين بعرق جبيننا عبر الضرائ، رأينا كيف دولا أفريقية أسرع لتطبيق شروط الصندوق النقد الدولي أكثر من الصندوق نفسه. رأينا كيف رؤساء أحزاب من أفريقيا يسافرون إلى فرنسا ليشتموا دولهم في التلفاز والمزياع فقط لأنه في خلاف مع الرئيس، بل ذهب أحدهم ليطالب تدخلا عسركيا ضد دولته. عجيب والله أمرنا. لا استقلال ولا حرية، ولا أبية، ولا حتى عزة نفس.