الإنحراف الفكري هو عدم الإلتزام بالقواعد والمعايير الإجتماعية وهذا هو المعنى العام للإنحراف الفكري . إنحرف تعني مال عن أو عَدل عن طريق الصواب لإنتهاك القواعد الإجتماعية المألوفة . ويمكن أن يكون الإنحراف دينيا بمعنى ترك الإستقامة بعمومها ومخالفة النصوص الدينية والفطرة السليمة ، وقد يكون الإنحراف قانونيا بمعنى مخالفة الضوابط والقواعد القانونية . خلق الله الانسان على الفطرة السوية ولكن البيئة أو الظروف التي يعيش فيها الانسان قد تُسبب إنحرافاً لدى بعض الأشخاص . تكثر هذه الظروف والبيئات في الدول النامية التي تُعاني من شظف العيش أو الحروب الداخلية الدامية ، عندئذ تعم الفتن والإنهيارات والإنحراف الحاد أحيانا في السلوكيات ، ومع هذا يجب الا ننسى ان ما يكون محرما في بيئة ما قد يكون مقبولا في بيئة أخرى .
يُعتبر الغلو والتشدد هما بداية الأنحراف الفكري وخاصة في مواضع لا يليق فيها التشدد ومجاوزة الحدود التي أقامها الله لعباده . توجد عدة عوامل تُنمي الإنحراف الفكري وهي :
* عوامل فردية متعلقة بمستوى الذكاء لدى الأفراد والمستوى المعرفي والتكوين العاطفي
* الأُسرة وهي المفتاح الأول
* الجهل بالدِين والعلم
* كثرة الصراعات السياسية والطائفية والإثنية في مجتمع ما
* وسائل الإعلام المرئي والمقروء . يعمل مؤسسو هذا الإنحراف على تغذية عقول بعض الإعلاميين بمقولات خاطئة لتكرارها في صيغ متقاربة عن موضوع معين ، عندئذ يأخذ هؤلاء الاعلاميون في تشتيت أفكار الناس بطرق ملتوية كاذبة وأحيانا يخضع بعضهم للإبتزاز أو الترهيب ، وبالنسبة للصحافة يُكرّس بعض الصحفيين المشهورين مقالاتهم لتفجير إنحراف خاص عن مبدأ مألوف ولكن على جرعات . ليس عيبا أن تختلف الأفكار في مجتمع ما ، ولكن العيب كله في التركيز على إنحراف لفكر غير مألوف !!! إن أصعب ما يواجه مجتمعاتنا اليوم الإنحراف الديني الذي بات يستبيح الدم والعرض بتفسيرات ظالمة جاهلة وخارجة عن شرع الله الصحيح . يُنادي كثير من العلمانيين بتجديد الخطاب الديني ، هل منهاج الله تغير أم نحن البشر ؟ المطلوب من الخطاب الديني أن يوقظ المفاهيم الأصيلة والأصلية للدين وعدم تشتيت أفكار الشباب وأفراد المجتمع عامة . لا أدري كيف يقول شخص ما مثلا ؛ هذا في الجنة وذاك في النار وكأنهم يقسمون مصائر العباد بإحدى الكلمتين . خطأ جسيم نرتكبه في الحوارات والنقاشات والإجتماعات والخطب وهو ؛ هذا مصيب وذاك مخطيء ولا ثالث لهما . عندما نناقش فكرة ما يجب إبداء الحجج بمنطقيتها أو لعدمه . سعة الصدر والعقل المتزن هما حجرا الزاوية في النقاش وتقبل فكر الآخر أو دحضه بالبرهان وهما السبيلان الوحيدان لمنع الإنحراف الفكري ، أما التشبث بالرأي الواحد فهو المصيبة الكبرى . الإفك والكذب وعدم الشفافية معاول تهدم الصرح الحقيقي للمعاملات السياسة والأقتصاد .
أعتقد أن جُل ما على المتحاورين أن يفعلوه هو الحوار الهاديء والبَنٌاء والمثمر وليس الحوار الحاد التشنجي والمَرَضي . ما يسود مجتمعاتنا حاليا ثلة من ذوي الضمائر الميتة والأفكار الصدئة التي تُبث كالسم الزعاف بين المواطنين وتهيء الظروف لإنحرافات أخلاقية حادة بمرور الوقت .
أما مخاطر الإنحراف الفكري فهي بالدرجة الاولى المساس بأمن البلاد وإرتفاع معدلات الجريمة من سرقات وسفك دماء وهتك أعراض . ويبقى الإنحراف السياسي هو الخطر الداهم على المجتمعات إِذْ أنه يُقوض العلاقات بين الدول الإسلامية وبين أفراد المجتمع ذاته لدرجة خَلْق ظاهرة الإسلاموفوبيا في البلدان الغربية . ولعل أخطر آثار الإنحراف الفكري إقتصاديا هو تخريب المنشآت والممتلكات العامة والفوضى مما يجعل فرص الإستثمار محدودة جدا مع إحجام المستثمرون الأجانب عن القيام بمشاريع تنموية في هذا القطر أو ذاك . ويتبع هذا التخريب عدم تمكن الدولة بعمل مشاريع تنموية جديدة خوفا من تخريبها .
طرق العلاج :
تربية الأجيال منذ الصغر على النشأة الإجتماعية السليمة داخل أسوار المدراس بمختلف مراحلها وكذلك المعاهد والجامعات بتعزيز أفكار التربية الأخلاقية السليمة مع علاج مما قد يطرأعلى عقول الشباب والشابات من إنحرافات فكرية عميقة مفاجئة وذلك بإنتظام مراقبة سلوكيات أفراد الاسرة مراقبة دقيقة كي لا يقعوا في ظلمات الفكر المنحرف . إذنا المدراس والمعاهد والجامعات أولا ، والاسرة ثانيا وفوق هذا كله البرامج الإعلامية الصاروخية لأنها أدوات فعالة لبث السموم وأثارة الفتن وتلويث العقول ،وإما لتنمية الفكر المستنير المبني على قواعد وقيم وأُسس سوية تُسهم في البناء الفكري السليم والإبتعاد عن جادة السراب والشذوذ الفكري السقيم .