ذكرت صحيفة العرب اللندنية: يعد فتحي كحلول واحدا من أبرز الفنانين الفاعلين في المشهد الثقافي الليبي، وهو الذي راكم تجربة فنية امتدت زهاء أربعة عقود، تنوعت بين التمثيل والإخراج المسرحي، علاوة على الغناء والتلحين وكتابة الشعر الغنائي، “العرب” التقت الفنان الليبي في آخر زيارة له إلى تونس، فكان هذا الحوار عن آخر أعماله الدرامية ومشاريعه المستقبلية.
كما ذكرت الصحيفة شارك الفنان الليبي فتحي كحلول في المسلسل الكوميدي الاجتماعي “وين حصة حواء” (أين نصيب حواء)، الذي عدّه النقاد واحدا من أبرز المسلسلات الكوميدية التي عرضت في الموسم الرمضاني المنقضي، وذلك نتيجة طرحه الجاد رغم طابعه الهزلي، أولا، ولتمكن طاقم عمله، من إعادة الممثلة المخضرمة لطفية إبراهيم إلى التمثيل ثانيا، بعد انقطاع دام ثلاثين عاما.
وعن المسلسل قال كحلول في حواره مع “العرب” مبينا “هو عمل كوميدي اجتماعي يمكن تصنيفه ضمن ما يصطلح عليه بالكوميديا السوداء، الساخرة واللاذعة في الوقت نفسه، مسلسل يحكي من خلال الرمز عن ليبيا في ما بعد 17 فبراير 2011، والأطماع التي باتت تطالها سواء من الداخل أو الخارج، وما حصة حواء إلّا عنوان رمزي لليبيا الوطن والأم، ومدى نصيبها ممّا خلّفه وسيخلّفه لها أبناؤها”.
“وين حصة حواء” مسلسل كوميدي ليبي من ثلاثين حلقة بُثّ في رمضان المنقضي على قناة “ليبيا لكل الأحرار”، وهو من تأليف عبدالرحمن حقيق وإخراج سامي الشريف وبطولة كل من: لطفية إبراهيم، فتحي كحلول، سعد الجازوي، ثريا الغرياني، عياد الزليطني، ثريا محمد ولطفي بن موسى.
وعن مشاركة لطفية إبراهيم في المسلسل بعد طول غياب، قال كحلول “حقيقة، لم يؤثر زمن انقطاع لطفية لعقود ممتدة على وقوفها أمام الكاميرا، لا من حيث حضورها الذي كان سلسا واحترافيا كعادتها، ولا من حيث تأثير هذا الغياب على جمهورها، بل على العكس تماما، كان استقباله لها في أولى إطلالتها التلفزيونية على قدر اشتياقه لها”.
ويعترف الفنان الشامل فتحي كحلول، كما يصنّفه مُجايلوه من الفنانين الليبيين، أن النص الذي كُتب بشكل جيّد ضاعف من بريق النجمة/ العائدة التي حوّلت السيناريو المكتوب على الورق إلى صورة بصرية حية من لحم ودم، خاصة وأن المسلسل يطرح قضايا شائكة لم تتطرّق إليها الدراما الليبية من قبل، على غرار تمكين المرأة الليبية وسط مجتمع ذكوري محافظ، ونصيبها من الدوائر الانتخابية، وغيرها من القضايا الحارقة التي أفرزها التغيّر الاجتماعي والسياسي لليبيا في ما بعد 17 فبراير 2011، الأمر الذي تطلب جرأة في التقمّص لدور حواء، وهو ما أبدعت في تأديته لطفية إبراهيم، على حد توصيف كحلول.
وظهرت لطفية إبراهيم على الساحة الفنية الليبية منذ سبعينات القرن العشرين، حيث كان نشاطها المسرحي الذي استمر بين عامي 1970 و1984 حافلا بالأعمال، وكان “خروف العيد” أول المسلسلات التلفزيونية التي شاركت فيها إبراهيم، والذي عرض عام 1974، لتستمر مسيرتها التلفزيونية إلى حدود سنة 1988، ثم تغيب إثرها.
ويقول فتحي كحلول عن دوره في مسلسل “وين حصة حواء”، “كان دورا مركبا ومعقدا، فشخصية عاشور التي جسّدتها في المسلسل، تعكس طمعا فاحشا من شقيق حواء، العائد من الاغتراب، بعد علمه بحصول شقيقته على ثروة طائلة، فرجع إلى الديار كي يطالب بنصيبه منها، وهو الذي يعلم أن لا حق له فيها، لكن للثروة أحكامها وأطماعها”.
ويجيب كحلول عن سؤال “العرب” حول وقع الرمز في المشاهد الليبي، حيث حواء رديف لليبيا، وعاشور رديف للقوى الخارجية الطامعة في ثرواتها، فيقول “الرمز هنا حالة إبداعية ملحّة أتاها طاقم العمل في المسلسل، لتكون أقرب إلى المُضحكات المُبكيات التي تلقّفها المشاهد الليبي بسلاسة وانتباه، وهو ما أّكّدته نسب المُتابعة العالية للعمل أيام بثه، أو حتى من خلال الإعادات على اليوتيوب”.
غير بعيد عن الرمز، يعترف المسرحي الليبي فتحي كحلول أن جل مسرحياته سواء تلك التي كتبها أو أخرجها، كان الرمز فيها بطله الأوحد، مُستدلا بآخر أعماله المسرحية المعنونة بـ”بالمحلي الفصيح”، فيقول “المسرحية تدور حول ستة أشخاص وجدوا على قارعة الطريق، كلّ قادم من جهة، ينتظرون شخصا ليخلّصهم من حالة الانتظار التي هم فيها، وكأن الحل يأتي دائما من الخارج، وحين لم يأت هذا المنتظر تقمّصوا شخصيته المتخيّلة، إلى أن أتى فعلا فثاروا عليه وعلى حالة الانتظار التي أنهكتهم”.
ويتابع “الصراع هنا متمثل في ما هو موجود وما تصبو إليه الشخوص، غاب الرجل المُرتقب الذي وعد بالمجيء، لكنه أخلف وعده ولم يظهر، لأنه موجود في العقل الباطن للشخوص في أعماقهم، فهم من غيّبوه وهم من انتظروه، فوجب عليهم حينها أن يحيوه في أعماقهم ويطلقوا أغلالهم المكبلة داخل فكرهم العقيم، ليتحوّل هو إلى الحاضر الغائب، الحاضر في وجدانهم والغائب عن وعيهم، تماما، مثل حالنا مع ليبيا الآن”.
و”بالمحلي الفصيح” عمل مسرحي اجتماعي غنائي من تأليف وألحان وإخراج فتحي كحلول، ومن بطولة عبدالله الشاوش وعلي الشول ومنيرة الغرياني وعبدالسلام التركي والشروي وسالم الشريف.
ويؤمن كحلول بالجيل الجديد من الفنانين القادرين على حمل لواء الدراما الليبية خاصة في مجالي الكتابة والإخراج، نتيجة تكوينهم الأكاديمي الجيد الذي منحهم اشتغالا عميقا على الصورة السينمائية الأقرب منها إلى التلفزيون، ضاربا مثالا على ذلك بمسلسلي “دراجنوف” و”روبيك” اللذين كتبهما سراج هويدي وأخرجهما أسامة رزق.
كما نوّه فتحي كحلول في ختام حواره مع “العرب” بالتعاون الثنائي المثمر بين تونس وليبيا في المجال الدرامي، والذي أفرز إنتاج “دراجنوف” و”روبيك” بطاقات تمثيلية وتقنية مشتركة جعلت من العملين علامة فارقة في الدراما الليبية. وهو يستعد حاليا للمشاركة في بطولة عمل درامي ضخم تحت عنوان “زنقة الريح” الذي سيصوّر بتونس وسيعرض في رمضان 2019.
ويتناول مسلسل “زنقة الريح” فترة حكم الإدارة البريطانية لليبيا، تحديدا إثر هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، وتدور الأحداث بالمدينة القديمة في طرابلس، وهي حقبة صعبة اقتصاديا واجتماعيا تعايش فيها الليبيون على اختلاف طوائفهم، مسلمين ويهودا، رغم تمييز البريطانيين للجاليات اليونانية والإيطالية على حساب أبناء البلد.