العملية العسكرية التركية في عفرين ... الغزو أو الخلاص؟

العملية العسكرية التركية في عفرين ... الغزو أو الخلاص؟
أفادت قنوات فضائية عربية بأن جنديين تركيين قتلا في اشتباكات وقعت في محافظة كيليس بالقرب من منطقة عفرين في سوريا، وفقا لبيان القوات المسلحة التركية اليوم الثلاثاء. وكانت تركيا قد شنت يوم السبت عملية عسكرية ضد ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة فى منطقة عفرين السورية. وبرر النظام التركي العملية العسكرية، قائلا إن عمليتها "دفاعا مشروعا عن النفس" ضد معسكرات ميليشيا وحدات حماية الشعب في عفرين.
ولا يمكن للقوى العالمية أن تتحد أبدا على مبدأ واحد في المجال السياسي. لذلك، فإن العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي في منطقة عفرين السورية هي أيضا مسألة مطروحة للنقاش. ويعتبر البعض ذلك تدخلا عسكريا في سوريا يعتبر غزو تركيا، في حين تبرر قوى أخرى ذلك الموت أو الحياة لإعادة الملايين من اللاجئين السوريين إلى سوريا بعد إنشاء منطقة آمنة لهم في شمال سوريا.
عملية فرع الزيتون في تركيا
وفي 13 كانون الثاني / يناير، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عزمه على سحق قوات الميليشيات الكردية في منطقة عفرين داخل سوريا الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب بعد عملية عسكرية قامت بها القوات التركية في محافظة إدلب قبل ثلاثة أشهر بعد اتفاق مع روسيا وإيران للحد من القتال بين القوات الحكومية الموالية لسوريا والمسلحين.
وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب كمنظمة إرهابية تسعى إلى إقامة دولة كردية مستقلة على الحدود التركية السورية، مما يهدد سيادة الجمهورية التركية.
ولذلك، هناك سببان رئيسيان لعملية عسكرية تركية، تسمى "عملية فرع الزيتون"، وفقا للقيادة التركية. الأول هو نجاح الهجوم التركي بدعم من حلفائه الإيرانيين والروس في محافظة إدلب.
والثاني هو التقارير الإخبارية المتداولة حول نية أميركا إنشاء جيش كردستاني في شمال وشرق سوريا. ويعكس هذان السببان مدى عمق النزاع بين أنقرة من جهة، وموسكو وواشنطن من جهة أخرى.
الموقف الروسي:
وأعلنت روسيا أن المهمة الرئيسية لقواتها في عام 2018 هي القضاء على جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. وقد انتظرت روسيا منذ فترة طويلة ان تتحمل تركيا هذه المهمة "لخفض التوتر" فى اقليم ادلب.
غير ان موسكو استعادت وانتظرت الضوء الاخضر من شركائها فى محادثات استانا انقرة وطهران لانهاء "الادارة الكردية" فى عفرين. ولم يثير النزاع وعدم اليقين بين موسكو وانقرة الا علاقة طيبة بين موسكو والاكراد بل بنشر عناصر روسية في عفرين وقراها عندما حاولت القوات الموالية للتركية التحرك نحو المدينة.
هذه هي العقبة الرئيسية للعلاقة بين أنقرة وموسكو، وليس موقف الولايات المتحدة، التي ليس لها وجود عسكري في هذه المنطقة.
وتثبت العملية العسكرية التركية في عفرين ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فشل في بناء علاقة طيبة بين الخصمين تركيا والاكراد. روسيا حريصة على إنقاذ مؤتمر سوتشي، وكذلك حفظ عفرين.
وقد أعرب المسؤولون الأتراك عن عدم استعدادهم لاعتماد نتائج الجولة الأولى من مؤتمر أستانا. من ناحية أخرى، تظهر موسكو حرصا على دور أنقرة في إقناع الفصائل المعارضة بحضور الدورات القادمة للمؤتمر. ومع اقتراب موعد الجولة القادمة من المحادثات، تتزايد أصوات المعارضة.
وتضيف "عملية عفرين" صورة إلى المشهد الاستراتيجي الجديد في سوريا. إنه مشهد شبه كامل بعد أن كشفت إدارة الرئيس دونالد ترامب عن استراتيجيتها في بلاد الشام وبدأت خطوات لتنفيذها.
موقف الولايات المتحدة:
وكشف وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أن وجود بلاده في سوريا له خمسة أهداف؛ على رأسها إنهاء نفوذ إيران والتوصل إلى حل سياسي تحت رعاية الأمم المتحدة (استنادا إلى القرار 2254) الذي يؤدي إلى رحيل الرئيس بشار الأسد.
وحث تيلرسون موسكو على الوفاء بالتزاماتها والضغط على سوريا للمشاركة فى مفاوضات جنيف. ولتفسير هذه الاستراتيجية التي أصبحت واضحة تماما، تم عقد اجتماع خماسي قبل بضعة أيام، بما في ذلك ممثلون عن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن، لدراسة مسودة الإصلاحات الدستورية وتقييد المؤسسات السورية. وهذا سيكون بديلا عن "سلام زائف" تستعد له موسكو.
وتواجه روسيا اختبارا رئيسيا في "عملية عفرين" لانقاذ علاقاتها المتجددة مع تركيا. وهو اختبار يرافقه اختبار آخر. سوف تجد إيران نفسها، مثل تركيا اليوم، مضطرة إلى أن تأخذ في الاعتبار شريكها الروسي للحاجة إلى قوة كبرى في مجلس الأمن أعلنت أخيرا أنها ستعمل على حماية الاتفاق النووي، مع الاعتراف بأن دورة جديدة للولايات المتحدة للتسوية قد يدفع الكرملين إلى التمسك بدور إيران على الأرض، وإن كان مؤقتا.
عملية عفرين هي غزو تركي
اعربت مصر وفرنسا والولايات المتحدة عن ادانتها ورفضها للعملية العسكرية التركية فى منطقة عفرين السورية ووصفتها بانها تهديد خطير لسيادة سوريا.
وكانت وزارة الخارجية المصرية اصدرت يوم الاحد بيانا قالت فيه ان "العملية تضع عقبات امام الجهود الرامية الى التوصل الى حل سياسي للازمة السورية واتخاذ اجراءات لمكافحة الارهاب".
وأكدت مصر رفضها لجميع الحلول العسكرية التي تزيد من معاناة الشعب السوري فقط، ودعت جميع الشعب السوري إلى المشاركة في محادثات جادة مع الحفاظ على سيادة ووحدة بلدهم.
وبناء على طلب من وزارة الخارجية الفرنسية، اجرى مجلس الامن الدولي محادثات حول الوضع في سوريا يوم الاثنين. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لي دريان في حديثه مع وكالة فرانس برس ان "فرنسا دعت الى عقد اجتماع طارىء لمجلس الامن حول سوريا في اعقاب توغل تركي في اقليم عفرين شمال سوريا".
أهداف الغزو العسكري التركي
ومن أجل فهم أهداف وأبعاد العملية التركية في الشمال السوري، من الضروري تبني نهج تحليلي واسع وعميق للسياسات والمواقف التي تتبناها تركيا تجاه الأزمة السورية خلال السنوات الست الماضية.
ويجب أن يستند هذا التحليل إلى مختلف الخيارات الاستراتيجية التي اعتمدها الرئيس أردوغان لمواجهة جميع المراحل والتطورات التي شهدتها الأزمة السورية على مدى السنوات الست الماضية. ولن يفاجأ المراقبون إذا اعتبرت هذه الخيارات غامضة وسلبية، باستثناء العداء لنظام الأسد والدعوة إلى رحيله، فضلا عن رفض الاعتراف بأي دور للأكراد السوريين واتهامهم بالإرهاب.
في بداية الأزمة السورية، دعمت تركيا الشعب السوري من خلال إسداء المشورة للرئيس الأسد لاعتماد إصلاحات أساسية للنظام، ثم بقبول الجيش السوري الحر على ترابه وفي المناطق المتاخمة لحدوده، و وترحب بمئات الآلاف من اللاجئين السوريين وتشجع العديد من جماعات المعارضة السورية.
إلا أن تركيا سرعان ما بدأت تتبنى خيارات متناقضة لمواجهة تعقيدات الوضع الدولي والإقليمي بالإضافة إلى ظهور وانتشار الجماعات الجهادية والإرهابية في أجزاء كبيرة من سوريا والعراق بعد أن اعتمدت الولايات المتحدة على قوات حماية الشعب الكردية وهو حليف في معركة داعش بعد معركة كوباني.
في هذه التحولات المأساوية، تغيرت المواقف والخيارات التركية، واتسمت ردود الفعل التركية بالتناقضات، سواء من حيث العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة وإيران أو علاقاتها مع داعش أو جبهة النصرة. واتهمت تركيا بتمرير الاف الارهابيين والاسلحة والتجارة غير المشروعة للنفط عبر اراضيها لصالح داعش.
ويمكن أن نستنتج أن موقف تركيا من الأزمة السورية كان مشابها لدراما "يونانية" مليئة بالمفاجآت الدرامية والمؤلمة التي يمكن اعتبارها نتيجة واقعية لمحاولات أردوغان لإعادة صياغة وتوجيه السياسة الداخلية والخارجية لتركيا، السلطان الجديد "في تركيا والشام.
تركيا هي الآن على بعد خطوات قليلة من المشهد الأكثر دموية وخطيرة من هذه "الدراما اليونانية"، التي خلقت نفسها. إن المنقذ الوحيد "الممكن" من الوقوع في هذه المغامرة العسكرية الخطيرة هو الولايات المتحدة، من خلال العمل على "معجزة" للتوفيق بين المخاوف الأمنية لتركيا ومطالب الأكراد بحقوقهم وهويتهم.
وستكون هناك عواقب وخيمة نتيجة لانحيازها نحو فريق واحد أو الآخر. إن اندلاع الحرب في عفرين لن يكون في مصلحته، حيث سيؤدي في نهاية المطاف إلى "كابوس" مخيف لواشنطن وأنقرة والأكراد. وإذا لم يتم التغلب على الأزمة في غضون أيام أو ساعات قبل بدء الهجوم، فإن الفائزين الحقيقيين هم روسيا والنظام السوري وإيران.

مقالات مشابهه

من قسم آخر


التقيمات

راديو القمة

radio

الأكثر قراءة

فيس بوك

a
;