أرى كل يوم حولي الناس يذمون في الأجيال الحالية والقادمة ، يذمون في الطلبة والطالبات والشباب ويتكلمون عن الرذيلة وفساد الأخلاق وانحدار المجتمع وتدهور الفكر وغياب العقل وشرب المخدرات والإدمان والقتل والنهب والسرقة والتعدي على حرمات الناس وانعدام الأمان ولكن يتعمق عقلي ويفكر وأتساءل " الجميع يتحدثون وكلهم صالحين فمن المفسد ومن السبب في هذا التدني والتدهور الواضح في المجتمع من يربي هذه الأجيال ويعلمها ؟؟! "
يغيب الآباء فتفسد الأبناء فأشياء تترتب على أشياء أرى الآباء يتركون أبنائهم في الطرقات والشوارع ، أطفال تخرج من بيوتها صباحا كل يوم لتعمل وتلقى ما تنفق به على أنفسهم وأخواتهم وأمهاتهم فالآب والأم تطلقوا وانفصلوا ويعند الأب ويترك أولاده دون مال ونفقه لكي يذل الأم ولكن من الضحية يا صديقي من الضحية يا كل أم وأب؟!
أطفالا أبرياء تضيع فطرتهم النقية وسط ضباع بشرية فالأم تشتم وتذم في الأب والأب يترك الأم والأولاد في المحاكم ويذهب ليتزوج بأخرى ويعيش حياته ويستمتع وربما يأخذ رعية غيرة ليراعيهم ويترك رعيته .. أليس كل ذلك يستحق البكاء !! ، ولكن ماذا تفعل بنا الدموع سوى أنها تخرج ما في قلوبنا من ألم وحزن ؟!!
( أنا طفل مشرد بين هذا وهذه ضاع مستقبلي وتركت دراستي وتعليمي ولم ألقى سندا ولا بيتا يضمني ويأويني .. ينظر لي الناس بعين الشفقة والمسكنة يظهرون حزنهم الشديد علي كلما رأوني ولكن من الذي جعلني مثل أطفال الشوارع بل هم أفضل مني !! فأنا لدي أب وأم لم يحاولوا أن يتحملوا أي تعب لأجلي .. فكل يفكر بذاته فقط فماذا أفعل .. ما ذنبي في كل الذي حدث ومازال يحدث ؟! )
هكذا يحدث نفسه الطفل وإذا به ليكون فريسه سهلة لكل من يشبع عنده جميع الناقص إليه فيمتلكه ويشكله كيفما يشاء .. فمنهم من يدور بالشوارع للشحاتة على الطرقات ومنهم من يقع في عصابه سرقة الأموال ومنهم من يقع مع من يقتلون وينهبون ومنهم من يقع مع تجار المخدرات ليصبح معطى وعاطي ومنهم من يقع في أيدي تقية لينعم الله عليه ويصبح شخصا صالحا .. فلماذا تتحدثون عن الأجيال وأنتم من صنع الأجيال ؟!
هناك ضحايا أخرى يعيشون في بيوتهم ويملكون الكثير من المال والترف ، معهم آبائهم وأمهاتهم ولكن كل يجري في طريقة ليجمع الكثير من المال ليوفر لأولاده كل ما يريدون من أشياء ، يجعل طلباتهم أوامر ولكن يفتقد الاولاد الاحتواء والحنان وإدارة أمورهم والسؤال عن شئونهم .
الأم مشغولة أيضا بذاتها و وشراء ملابس كل يوم وعندها هوس بالموضة والذهاب إلى مراكز التجميل ومراكز التمرين وليس لديها وقت خاص لأولادها ، كل شغلها الشاغل أن تظهر لمن حولها بجمالها وملابسها الأنيقة ومجوهراتها الباهظة الثمن لتتباهى بمالها وأشياءها أمام من يقربونها وتترك أولادها كل تيار يأخذهم حيثما شاء فحقا بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم أليس ذلك لا يسمى إهمالا ؟؟؟! ..
الطفل عجينة لينه في أيدينا نشكله كيفما نشاء مثل من يصهر الذهب ويعمل منه أشكالا مختلفة .. نحن الذين نؤثر فيه ، أولا بيته والدة ووالدته وبيئته .. الآباء هم المدرسة الاولى لأبنائهم هم من يعلمون أولا بأفعالهم وليس بأقوالهم
تنسى الأقوال وتنحت الأفعال في القلوب والعقول ( التربية ليست بالموعظة بقدر ما هي بالقدوة صدقة بكف فقير أمام ابنك تعادل ألف محاضرة عن الصدقة وورقة تلقيها في سلة المهملات أمام ابنتك أبلغ من خطبة عصماء عن النظافة
قوله - تعالى -: ﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ﴾ [الأعراف: 5
الأسباب كثيرة جدا ربما تحتاج إلى كتب ومجلدات لنكتب ونصف كل ما يحدث لنهتم بفلذات الأكباد ونور الحياة ورونقها أولادكم وأمانتكم التي أمنكم عليها الله فلم تصونوا هذه الأمانة
(أيها القوم
ما علّمتم أولادكم مفهوماً خاطئاً إلا هدمتم في المقابل مفهوما صحيحاً
ما رسختم في عقولهم بدعة إلا هدمتم في حياتي سنة
ما زرعتم في حقول قلوبهم بذرة شر إلا واقتلعتم منها بذرة خير
فلننظر ماذا نزرع لنعرف أي جيل سنحصد