الوطن هو الأولوية القصوى التي يجب أن لا تتقدمها أولوية، وبناؤه هو الهم الأكبر الذي لا يتقدم عليه هم ولا شاغل، فكيف إذا كان الوطن خارجا من حقبة عصيبة تمثلت في جثوم الاستعمار على صدره مدة ليست بالقصيرة من الزمن، وكان مجموعة من الدول المتفرقة التي يحتاج كل منها إلى شقيقه، فهاهنا تتضاعف الحاجة إلى التركيز على الدخول في قلب هذه المعركة وبكل القوى والطاقات، ومن تبصر في تلك المرحلة المبكرة من تاريخ الدول الإسلامية، لاح له حجم الصعوبات والتحديات التي واجهت الآباء المؤسسين الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل توحيد البلاد، ووضعها في خط مستقيم لا يعرف التعرجات لضمان صحة السير.
وعدم تبديد الطاقات في غير معركة البناء والإعمار لهذا الوطن الطيب المعطاء، وإن بناء الإنسان هو أكبر المعارك، وليس البناء المقصود هو مجرد البناء المادي للإنسان بل المقصود هو البناء الروحي والثقافي والأخلاقي للإنسان بحيث تنطلق طاقاته في معركة بناء الوطن، فهو مقدم من حيث الترتيب العقلي على معركة بناء الوطن لكنهما متداخلان بحيث يصعب الفصل بينهما، فمعركة بناء الوطن تعني في جوهرها معركة بناء الإنسان، لأن الأوطان لا تنهض إلا على جهد الإنسان، وإن بناء حياة لأجيال جديدة هو أكبر وأعظم وأنبل هدف لحياتنا لأن الأجيال القادمة هي الأمانة الكبرى في عنق القادة أصحاب القرار، وهم عدة المستقبل.
ويجب توفير أرقى أشكال الاهتمام بمستقبلهم ليس على الصعيد المادي فحسب بل على جميع الصعد المادية والمعنوية، ولا يرضى الإنسان العاقل لهم ثقافة الكسل والرخاوة والترهل بل يريدهم قادة شجعان القلوب، أصحاب إرادة وعزيمة، فهذا هو الكنز الأكبر الذي سيظل ذخرا للأجيال، فكيف إذا اجتمع لهم كل ما يتمناه الشباب من ضروب العناية والاهتمام من جانب الدولة والقيادة بحيث أصبح شباب الأمه من المغبوطين على ما يلقونه من رعاية واهتمام من قادة الدول ورجالها الكبار، وما سوى ذلك تفاهات تشغلنا عن معركتنا الحقيقية وإن التعبير بالاسم الموصول ما يفيد الاستغراق والتنكير، فكل ما هو خارج دائرة الوطن والإنسان فلا يدخل في صلب الإهتمام.
بل ينظر إليه بعين الإعراض لأنه منشغل بالأهم عن المهم، فكيف إذا كان ذلك الشيء تافها، فمن المؤكد أنه لن يكون له أدنى اعتبار في المنظور في سياق معركة البناء والإعمار، ويقول الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة الكهف "ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا، إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا" فيقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " ويسألونك" يا محمد عن ذي القرنين، أي عن خبره، وقيل أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا لهم سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا وعن الروح، فنزلت سورة الكهف.
وعن عقبة بن عامر، فى حديث ضعيف، أن نفرا من اليهود جاءوا يسألون النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء، فكان فيما أخبرهم به " أنه كان شابا من الروم، وأنه بنى الإسكندرية، وأنه علا به ملك في السماء، وذهب به إلى السد، ورأى أقواما وجوههم مثل وجوه الكلاب " وفي هذا الحديث طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل، وهذا الحديث فيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني ابن فيليبس المقدوني، الذي تؤرخ به الروم، فأما الأول فقد ذكره الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع نبى الله إبراهيم الخليل عليه السلام ، أول ما بناه وآمن به واتبعه.