نرى فى هذه الأيام حب الظهور وحب الشهره لكثير من الناس وقد تكون هؤلاء الناس ليس لديهم من الإمكانيات العقليه أوالبدنيه أوالعلميه أو الماديه ما تؤهلهم لذلك ولكن هناك نوعيه من الناس متسلقه على ظهور الأخرين فهى تحب الظهور وتحب الشهره حتى ولو على حساب الآخرين وحتى وإن سرقتها من الشرفاء ومن المكافحين ومن الذين سهروا الليل وتحملوا المشقه والأهوال فى نيل مكانه علميه مرموقه أو منزله رفيعه بين الناس وطلب الشهرة مذموم بكل حال من الأحوال، والمؤمن مخبت متواضع ، لا يحب أن يشار إليه بالأصابع ، ومن أعظم ما يفسد على المرء سعيه إلى ربه حبه للشهرة ، والشرف في الناس ، والرئاسة عليهم .
وقد وضح لنا الرسول الكريم فى حديثه عندما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ ) والمعنى هنا أن الذئبان الجائعان إذا دخلوا على الغنم سوف يفترسوهم وسوف يحدثوا التخريب والدمار بهم فهكذا ويفسدوا كل شئ فكذلك حب المال وحب الشهره تفسد الدين للمرء اكثر ما افسدا الذئبان فى الغنم ..
والإسلام بطبيعته المعتدلة يريد لأفراده أن يكونوا صالحين متوازنين لا يغترون بالدنيا أو تتعلق بها قلوبهم، فما مد أحدٌ عينيه إلى متاعها إلا واشرأبت نفسه وقارب الفتنة أو حام حول حماها، والسعيد من جعلها مطيةً للآخرة فصارت له دار ممر لا دار مقر ..
ومن الاغترار بالدُّنيا السعيُ خلف الشُّهرة وبريقها، فكثيرٌ من الناس تَتُوق نفسه إلى أن يُشار إليه بالبنان أو أن يكون هو حديثَ المَجالس، أو أن يُسمع قولُه، أو يُكتب؛ لذا قد يَسعى بعضُهم بكلِّ سبيلٍ إلى تحقيق ذلك، ولو على حساب مُخالفة الدِّين والأخلاق؛ إذْ مِن خصائص الشهرة أنَّها تَؤُزُّ المرء إلى المغامرة أزًّا، ويُدَعَّى إلى تبرير كلِّ وسيلةٍ موصِّلة إليها دعًّا، وهنا مَكْمَن الخطر، ومحمل الشَّوك الذي لا ينتقش.
لذا؛ حذَّر الشَّرع المطهَّر من حبِّ الشُّهرة والظُّهور الدَّاعي النفوسَ المريضة إلى تعلُّقِ القلب بتأسيس بنيان السُّمعة على شفا جُرفٍ هار، أو الإعداد لرفع الظَّمأ من سرابٍ بِقيعةٍ يحسبه الظَّمآن ماءً، حتَّى إذا جاءه لم يَجِده شيئًا.
فعلى المسلم أن يكون قصده وعمله وكل ما يقدمه من عمل هو وجه اللّه تعالى، سواء في أثناء حياته، أو ما يعقبه من عمل صالح بعد مماته، هو للّه، وإلى اللّه، وفي سبيل اللّه، ولطاعة اللّه تعالى. فإذا كان لله لم يَبقَ فيه نصيب لغير الله ..
وقد حذر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم من سوء الأخلاق التي يكون عملها وسعيها وقولها لغير الله، فقال: "إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ.
قَالَ: كَذَبْتَ! وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ! وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ.
قَالَ: كَذَبْتَ! وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ" .. رواه مسلم
فهؤلاء الثلاثة وعملهم الجليل سواء كان الشهادة أو تعليم العلم أو الإنفاق في سبيل الله يُعد من أعظم الأعمال في ميزان الإسلام ولكنهم أحبطوا ثواب عملهم بسبب طلب الشهرة بين الناس وحب الظهور الذي يقسم الظهور، فكانوا أول من تُسَّعَرُ بهم جهنم، فهم حطبها الأول لأنهم أرادوا أن يكونوا أول الناس وعلى رأسهم، فعاقبهم الله بضد قصدهم، والجزاء من جنس العمل، وما ربك بظلام للعبيد.
فالبحث عن الشهرة خلل في عقيدة التوحيد، وانقلاب في مفاهيم الغاية البشرية في الوجود، ونكسة في ترتيب الاهتمامات، فهو الصورة التطبيقية للرياء المحبط للأعمال في ميزان الشريعة.
والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يقول "مَنْ لَبِسَ ثَوْب شُهْرَة أَلْبَسَهُ اللَّه ثَوْب مَذَلَّة يَوْم الْقِيَامَة " ومعنى الحديث يعني به لباس الشهرة المادي المصنوع من القماش، فإن غيره المسبب للشهرة داخل فيه أيضًا كالسيارة مثلاً كما أن اللباس المعنوي للشهرة يمكن أن يشمله الحديث من باب أولى، ومن أي نوع كان سواء لباس التقوى، أو لباس العلم أو لباس الزهد أو لباس الورع، وأي لباس معنوي يتدثر به الإنسان بين الناس يسبب له الشهرة وهو يقصدها ويتعمد أن يراه الناس بها ..
أما من اشتهر بالعلم والزهد والورع ونيته صالحة وعمله خالصًا لوجه الله فإنه خارج عن هذه الدائرة ولكن الواجب عليه أن يتفقد حال قلبه بين الفينة والأخرى.
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يفرون من الشهرة وعدم الإخلاص لله في الأقوال والأفعال كما تفر الفريسة من الأسد ومن العجب أن يحج مع النبي صلى الله عليه وسلم ما يربو على مئة ألف صحابي فلم يقدر العلماء والباحثون على معرفة اكثر من ثمانية آلاف صحابي فأين الباقون! إنهم على منهاج قوله النبى صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ " .. رواه مسلم
ولو كانت الشهرة منقبة تتشوق لها النفوس الكريمة لأكرم الله بها سادة الدنيا من الأنبياء والمرسلين الذين بعث منهم ما يزيد على ثلاثمائة رسول، وأكثر من مائة ألف نبي، ورغم ذلك لم يحفظ لنا القرآن سوى أسماء خمسة وعشرين رسولاً لا غير.
وقد حذر سلفنا الصالح من حب الظهور والشهرة بين الناس لمن يسعى إليها ويجعلها هدفه، وتضافرت أقوالهم المحذرة من هذا الخلق الذميم، فهذا سفيان الثوري يقول: "إياك والشهرة؛ فما أتيت أحدًا إلا وقد نهى عن الشهرة" وقال إبراهيم بن أدهم: "ما صدق اللهَ عبدٌ أحب الشهرة" وقَالَ أَيُّوْبُ السختياني: "مَا صَدَقَ عَبْدٌ قَطُّ، فَأَحَبَّ الشُّهرَةَ" ...
وقال بشر بن الحارث: "مَا اتَّقَى اللهَ مَنْ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ" وقال إذا عُرفت في موضعٍ فاهرب منه، وإذا رأيت الرجل إذا اجتمعوا إليه في موضعٍ لزمه، واشتهى ذلك فهو يحب الشهرة
هكذا مضى السلف الصالح على هذا المنهاج، وكان هذا دينهم ودنيانهم، فأين هذا من أقوام غلبهم حب الشهرة وظنوا أن التفاضل بكثرة المعلومات وكثرة المحفوظات وبالثناء وبانتشار الذكر حتى سجل التاريخ عليهم أيضًا عارًا وشنارًا ..
هكذا يشل حب الشهرة حركة المجتمع الإيجابية ليحولها إلى شكليات ومظاهر، ومسرحيات يخادع بها بعضهم بعضًا، فالشهرة حين تصير غاية في ذاتها فمعنى ذلك تفشي الكذب والنفاق والخديعة والتصنع، وغياب القيم الحقيقية التي لا تنتج الإبهار، ومعرفة الناس الشهرة تعنى سقوط النماذج الحقيقة ليبرز مكانها البالونات الكاذبة والسراب المضلل، فليس كل مشهور ناجحًا أو ناجيًا عند الله تعالى، وليس كل مغمور فاشلاً أو متأخرًا ..
والشهرة يجب ألا تكون هدفًا في ذاتها بل يمكن أن تكون نتيجة للأعمال الصالحة أحيانًا، فعلى من ابتلي بها الصبر والمجاهدة ومدافعتها قدر الإمكان دون الإخلال بوظيفته الصالحة في الحياة فمن عمل صالحًا وعافاه الله وكان مغمورًا فليعش في جنة الدنيا وليبق حرًا طليقًا، ولا يدخل إلى أقفاص المراقبة البشرية، ففي جنة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وإذا رأيت مشهورًا فقل الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك وفضلنا على كثير من عباده تفضيلاً.
فليست الشهرة تُراد في ذاتها، قد تتفق للرجل فإذا صبر على حقها فإنه لا حرج عليه، والخفاء كذلك لا يراد لذاته، وإنما الذي يراد أن يراك الله حيث أمرك وأن يفقدك حيث نهاك، الذي يراد أن تكون لك خبيئة سر بينك وبين الله؛ تلج عليه من خلالها، وتنفعك أحوج ما تكون إليها عند طلوع الروح في لحظات الخواتيم، وتنفعك أحوج ما تكون إليها إذا حقت الحقائق وقامت القيامة وقرعت القارعة وزلزلت الزلزلة وحقت الحاقة وتطايرت صحف الأعمال ونودي الناس إلي ربهم أن هلموا إلى ربكم لفصل القضاء...