أن ظاهرة أطفال الشوارع ليست بجديدة على المجتمع الغزي ، فهناك عوامل عدة أدت إلى تفشي الظاهرة خلال العشر السنوات الأخيرة، مثل والفقر والبطالة وانتشار الجهل وعمالة الأطفال في سن مبكرة. إن أطفال الشوارع أصبحوا إحدى علامات غزة المحاصرة والممنوعة من الحياة بفعل الحصار الاسرائيلي على قطاع غزة ثم العدوان الاسرائيلي والانقسام الفلسطيني دفعت بالكثير من الاطفال الى الشوارع حتى اصبح مشهدا يزداد مع مضي الوقت. وحينما نتأمل ملياً حال هؤلاء الأطفال الذين يعيشون طفولة بائسة بين الطرقات والأرصفة ، يتسولون، يبحثون عن لقمة تسد رمقهم، يرتدون أسمال الثياب، لابد وأن نشعر بمدى الظلم الفادح والمعاناة الهائلة التى تقع على نفوسهم الصغيرة الضائعة.. فهم ضحايا لذنوب لم يقترفوها.. وهم نتاج لوضع سياسي فارغ واقتصادي منهار ومجتمعى ظالم لم يلتفت إليهم، ولم يعر أزماتهم اهتماماً. هؤلاء الأطفال عدد كبير منهم يسعون للحصول على ما يسد حاجاتهم ومساعدة أسرهم من خلال محاولة الحصول على ما هو ممكن من بيع سلع بسيطة أو التسول أو تقديم خدمات معينه للآخرين مقابلها يحصل الطفل على مردود مادي من شأنه أن يؤمن لهم البقاء والأمان فأطفال الشوارع هم الأطفال المحرومون من الرعاية الأسرية والحماية ويتعرضون للاستغلال ولا يشعرون بالأمان كما يتعرضون للأمراض والأوبئة والضغوط النفسية مما يؤثر على حياتهم ونموهم الجسمي والنفسي . يعاني أطفال الشوارع في غزة من تفشي الأمراض فيما بينهم والتي تظهر متجلية في وجوههم الشاحبة وأجسادهم النحيلة. بالإضافة إلى الكثير من الأمراض الأخرى التي يستعصي علاجها في بعض الأحيان، كذلك هم أقل استقرارا في عملهم وقد تحرروا من الروابط الأسرية فهربوا نتيجة أسباب عديدة منها الفقر الشديد والطلاق ثم زواج الوالدين مرة أخرى أو قسوة العمل المدفوعين إليه من خلال الأسرة. فهذه الظاهرة أضحت من الظواهر التي تؤرق المجتمع الفلسطيني، خصوصا في ظل استفحال هذه الظاهرة، ما يتطلب تدخلا مستعجَلا وآنيا لوضع حد لها، حيث أنّ الأطفال في وضعية الشارع يكونون عُرضة للانحراف والإجرام والتسول والاستغلال الجسدي والجنسي والأمراض المختلفة. إن الاوضاع الاقتصادية تعد من أهم العوامل التي تؤثر في توسيع حجم الظاهرة فتردي الاقتصاد وضعف التنمية من المؤشرات التي تؤدي إلى تدهور الحياة المعيشية للناس . فالظروف الاقتصادية تلعب دور كبير في التأثير على الحياة المعيشية للفرد والمجتمع فعندما لا يتم تبني سياسات اقتصادية ذات بعد تنموي وقلة فرص العمل وانعدام أبسط مقومات الحياة يكون الأطفال هم الأكثر تضرراً ويدفعون ثمن الازمات الاقتصادية وتحت وطأة الحاجة والعون تدفع الاسر بالابناء إلى سوق العمل للبحث عن مصدر دخل يساهم في مساعدة الأسرة على البقاء . أن مثل هذه المشكلات لا يجب النظر إليها بسطحية أو التقليل من مضاعفاتها لأن ذلك يقود إلى أن تدخل دائرة الخطورة الاجتماعية عندما تتجاوز حدود الهامشية . فالمسؤولية الأولى على المسؤولين وأصحاب النفوذ والمسؤولية الثانية تقع على عاتق الأولياء والأهل، و لكن عندما تحل الكارثة ستكون على الجميع، لهذا يجب أن تتكاتف الجهود للحد من هذه الظاهرة قبل انفجارها بعد سنوات . وعلاج هذه الظاهرة يكمن في التالي :- * عمل دراسةٍ واسعةٍ من قِبل الحكومة على الأسباب التي أدَّت إلى هذه الظاهرة ومعالجتها بأساليب نفسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصادية. * إنشاء مراكز حكومية تعمل على إيواء هؤلاء الأطفال و تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم نفسيّاً ومهنيّاً حتى يستطيعوا الانخراط في المجتمع بشكل طبيعي في المستقبل. * تقديم خدمات الوقاية ورصد الظاهرة والتكفل بأطفال الشوارع بإيوائهم، وإدماجهم في حياة جديدة، وتقديم مختلف أنواع المساعدة الاجتماعية وتلبية احتياجاتهم الأساسيّة. * توفير نظامٍ اجتماعيٍّ يهتمّ بتفعيل آليّةٍ لرصد أطفال الشّوارع المُعرَّضين للخطر، وضبطهم. * إنشاء مؤسَّسات اجتماعيّة، تهتمّ بالتّدخل المُبكّر لحماية الأطفال وأُسَرهم من أنواع العنف والاستغلال المختلفة، ومن الضّروري أيضاً التّدخل لحماية الأطفال ضحايا الأُسَر المُفكَّكة، والأطفال العاملين في بيئات ضارّة وغير آمِنة، ومنذ سنّ مُبكّر، ومناقشة مشاكلهم وحلولها. * تطوير برامج مكافحة الفقر، وزيادة أعداد مكاتب الاستشارات الأسريّة، وتفعيل دورها وتحسينها. * تفعيل دور الإعلام بوسائله المختلفة، لزيادة وعي المجتمع، وتحريك الرّأي العامّ حول هذه الظّاهرة، وأهميّة مُكافحَتها. كل المسؤولين وأصحاب القرار مدينون لأطفال الشوارع باعتذار على كل هذه الجرائم التى ارتكبوها فى حقهم وربما حينها فقط يمكن أن يطلبوا منهم الصفح والمغفرة.