إن أثمن ما نملكه في وطننا العربي عامةً وفي مصر خاصة ً هو الإنسان ، وبناء البشر أصعب بكثير من بناء الحجر ، فقد يستغرق أجيالاً ومجهوداً جبارًا من جهات عدة ، لذا كان حرص أعدائنا في الغرب عمومًا وإسرائيل عدونا اللدود خصوصاً على منع ظهور أجيال مثقفة ومتعلمة على أكمل وجه ، ليُحْكِموا سيطرتهم علينا ويتمكنوا من نهب مواردنا وخيرات أوطاننا ، كما قامت بعض أجهزة المخابرات وعلى رأسها الموساد باغتيال الكثير من خيرة علمائنا في التخصصات المميزة والمواقع الحساسة ، وكلنا يتذكر بكثير من الحزن والأسى علماءنا المصريين الذين تم اغتيالهم غدرًا لتفوقهم العلمي وخاصة في مجال الفيزياء النووية ، أمثال : د.مصطفي مشرفة و د.يحي المشد و د.سميرة موسى وغيرهم الكثير ، وظل هذا الأمر من أولويات عمل أجهزة مخابراتهم ، و ليس أدل على ذلك ما كشفته بعض الوثائق المتعلقة بالغزو الأمريكي للعراق بحجة واهية وهى وجود أسلحة دمار شامل بالعراق و التي تبين كذبها فيما بعد واعتذار المخابرات الأمريكية بل وأمريكا نفسها عن ذلك . وأظهرت هذه الوثائق أمرًا في غاية الخطورة تناوله الدكتور عبدالله النفيسي في حديثه لمجلة المشاهد السياسي البريطانية حيث قال: قبيل انطلاق عملية إحتلال العراق سنة 2003 ، زودت المخابرات الاسرائيلية ( الموساد ) نظيرتها الأمريكية ( سي آي إيه ) بقوائم تحتوي على أسماء و عناوين و هواتف العلماء النووين العراقيين ، هؤلاء العلماء الأفذاذ كانوا يعملون في مفاعل أوزيراك العراقي الذي قصفته اسرائيل في 7 حزيران 1981 ، وكان أكثرهم قد نجى من هذه الضربة الجوية الاسرائيلية فاعتنى بهم النظام العراقي السابق حيث تم توزيعهم على الجامعات العراقية ليطوروا قدراتهم أكثر في دراسات الفيزياء النووية ...
و بالفعل تم توزيع قوائم العلماء العراقيين على مشاة البحرية الأمريكية المارينز في القواعد العسكرية الأمريكية بالخليج وكانت أوامر القيادة الأمريكية واضحه وهي ان هؤلاء العلماء سيكونون أول المستهدفين بعد سقوط نظام صدام حسين ، وكان على المارينز الأمريكي اقتحام منازل هؤلاء العلماء و خطفهم بالقوه و نقلهم لأمريكا أو قتلهم إذا اقتضى الأمر ، وهذا ما حدث فعلاً ، فعملية قتل العقول العراقية بدأت في اليوم الثاني لسقوط بغداد ، حيث انتشرت وحدات عسكرية أمريكية لمطاردة العلماء والباحثين والمفكّرين والأطباء، لا سيما الطاقمين النووي والكيميائي، وعلى رأسهم الدكتوره هدى صالح مهدي عماش ، أو ام الجمرة الخبيثة كما تلقب من قبل القوات الأمريكية. وهي عالمة عراقية عبقرية ، رئيسة مجمع علم الأحياء الدقيقة العراقي في جامعة بغداد وحاصلة على شهادة الدكتوراه في الأحياء المجهرية ولها أبحاث كثيره في الإشعاع الكيميائي و السلاح البيولوجي ، تم اعتقالها من قبل القوات الأمريكية في التاسع من مايو عام 2003م ، في العاصمة بغداد بعد أسابيع قليلة من الغزو الأمريكي للعراق. وكانت هي إحدى أبرز امرأتين مطلوبتين للقوات الأمريكية حيث إن العالمة البيولوجية رحاب طه كانت هي مطلوبة أيضا للقوات الأمريكية وتم اعتقالها.
في النهاية تمكنت القوات الامريكية من جمع أكثر من 70 عالم عراقي من علماء الفيزياء النووية وخطفهم ونقلهم لفلوريدا بالولايات المتحدة ، والذين رفضوا التعاون مع أمريكا منهم قد تم قتلهم على الفور في منازلهم و قد بلغ عددهم 310 عالم عراقي مختص في الفيزياء النووية ، وكان سعي الغرب و اسرائيل هو التخلص من هؤلاء العقول العربية و التي تبلغ أهميتها عندهم أكثر من أي هدف آخر حيث سبق لمادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية ( اليهودية)أن صرّحت "ماذا نستطيع أن نفعل مع العراق غير تدمير عقوله التي لا تستطيع القنابل الذرية أن تدمّرها، فتدمير العقول العراقية أهم من ضرب القنابل".
هذه هى الصورة بوضوح التى يريد الغرب التغاضي عنها والإعلام الصهيوني طمسها وعدم خروجها للنور لينساها الناس ويظلوا على غفلتهم ولا يأخذوا حذرهم من مكائد أعدائهم ، فهل نحن منتبهون ، اللهم اهدي قومي للحق فإنهم غافلون أو لا يعلمون .