عندما تكون فقيرا وتحتج لنيل أبسط حقوقك من عيش وحرية وعدالة اجتماعية فستقف الدنيا كلها مع مطالبك، لكن تذكر وأنت في قمة احتجاجك أن لا تنسي التصرف بحكمة والصبر ثم الصبر حتي تنل أبسط حقوقك، أما اذا كان الجهل سيد الموقف والغوغائية تسود والشائعات تتحكم في النفوس وتتسيد الموقف فأعلم أن احتجاجاتك باطلة، لأن ما بني علي جهل فهو باطل .. وعندما تكون غنياً وتحتج للتهرب من التنازل عن بعض ماهو مقدم لك من رفاهية أغلب شعوب العالم تحسدك عليها فأنت وقتها مواطن طماع لا تعي ما الاخطار القادمة والتي ستزلزل كيان دولتك، أو أنك تعلم بتلك المخاطر فتحاول بشتي الطرق ابعادها عنك بالتغابي وحينئذ تظهر الانانية وحب الذات فتؤول وقتها كل الامور الي مخاطر جمة تضرب قارب المجتمع في مقتل فيكون الانهيار الوشيك، أو أن هناك سببا آخر غير الطمع هو ما جعلك تحتج وتصل لهذه الدرجة من التهديد والوعيد وعدم التحكم في تصرفاتك وافعالك اذا وصل الامر لعدم الرضوخ لمطالبك الثورية .
في الجزء الاول من اللعبة كنا نقارن بين رأين أحدهما يتهم امريكا بإشعال فتيل احتجاجات الفرنسيين ضد خطط ماكرون الاصلاحية، والرأي الآخر يؤكد وبشكل صريح للشعب الفرنسي أن قوي خارجية تتحكم في اقتصادكم فانتبهوا للفساد المستشري بين النخبة الحاكمة والذي سيعصف بدولتكم إن عاجلا أم آجلاً، وتلك كانت البداية .
لكن البداية الحقيقية لتفجر الأزمة كانت في يوم 5 يونيو 2017 عندما قررت كل من: السعودية، البحرين، الإمارات ، مصر، وسار علي نهجهما في اليوم التالي العديد من الدول العربية قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام القطري، وكان لسبب قطع العلاقات ما اوردته البيانات الصادرة رسميا من الدول العربية المقاطعة من اسباب عدة كان من بينها أن ذلك مرده الحفاظ على الأمن الوطني للدولة بسبب اصرار النظام القطري على المضي في زعزعة الامن والاستقرار والتدخل في شؤونها والاستمرار في التصعيد والتحريض الاعلامي ودعم الانشطة الارهابية المسلحة وتمويل الجماعات المرتبطة للقيام بالتخريب ونشر الفوضى مما يعد انتهاك صارخ لكل الاتفاقات والمواثيق ومبادئ القانون الدولي دون ادنى مراعاة لقيم او قانون او اخلاق او اعتبار لمبادئ حسن الجوار او التزام بثوابت العلاقات الخليجية والعربية والتنكر لجميع التعهدات السابقة، كما أشار البيان لممارسات النظام القطري الخطيرة والتي طالت دولا عربية عديدة ، من استمراره في دعم الارهاب والعمل على إسقاط الانظمة العربية لصالح قوي خارجية لا تريد للأمة العربية النهوض والاستقرار؛ وبناء عليه يستوجب التصدي لهذا النظام بكل قوة وحزم .
ويتساءل سائل هنا ما الذي يربط هذه الاحداث بما يحدث في فرنسا الآن ؟
يكون الرد بأن سارع تميم بعد سريان المقاطعة فعليا الاستجداء بالخارج رافعاً راية العصيان واعلانه التحدي بسد جميع منافذ المصالحة وعدم الرضوخ لأي مطالب عربية لأن ذلك علي حد قوله تدخل سافر في شئون دولته الداخلية .. وهكذا مرت الايام علي الدولة القطرية عصيبة فالاقتصاد يتهاوي واحتياطي رأس المال في انخفاض مستمر ورؤوس اموال الشركات العربية والاجنبية بدأت في الانسحاب تدريجيا من الدولة المترنحة ، وكانت الضربة القاصمة لنظام تميم في مطلع شهر ابريل الماضي عندما طالعتنا الصحف السعودية بخبر مفاده " يبدأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان زيارة تستمر يومين لتعزيز العلاقات المتوترة بين الرياض وباريس جراء الأزمات الإقليمية " ليخرج لنا بعدها قصر الاليزيه وخلال الزيارة بتصريح مفاده أن الرئيس الفرنسي "يرغب قبل كل شيء في إقامة علاقة تعاون جديدة مع المملكة النفطية" التي ستدخل مرحلة اقتصادية واجتماعية واعدة خاصة في إطار البرنامج التنموي الضخم "رؤية 2030" والذي تبلغ تكلفته حوالي 500 مليار دولار. وكانت تلك الاتفاقية بين الجانبين الفرنسي والسعودي لها أبلغ الضرر علي ما هو قائم بين النظام القطري وقصر الاليزيه الذي تخلي عن بعض وعوده لتميم ونظامه وبدء في التفكير مليا التخلي عنه نهائياً، ومما يؤكد ذلك ما طالعنا به البيان الصادر في يوليو الماضي من قصر الاليزيه من حقيقة الأنباء التي تحدثت عن إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية فرنسية في قطر، وذلك بعد أيام من زيارة قام بها " تميم بن حمد آل ثاني إلى باريس وعلي لسان السفير الفرنسي لدى قطر "إيريك شوفالييه:"إن ما يتردد عن امكانية إنشاء قاعدة عسكرية فرنسية في قطر محض شائعات لا ينبغي تصديقها.
واذا ماربطنا بين الجولة المكوكية لولي العهد السعودي لباريس مطلع ابريل الماضي والتي استمرت يومين وقبلها ثلاثة اسابيع قضاها في الولايات المتحدة الامريكية وبين الجولة التي قام بها تميم لباريس بعدها بثلاثة أشهر وتحديدا مطلع يوليو والمقارنة بين المكاسب والخسائر لكلا الجانبين لوجدنا أن الخسائر فادحة في الجانب المعنوي قبل المادي ولن يكونا هما المتضررين بالطبع بل شعب البلدين الشقيقين فأموال بتلك الضخامة تدفع بسخاء لاسترضاء واستقواء بالخارج هذا غير الخضوع والخنوع بعد ذلك لقرارات تفرض علينا لهو من أشد حالات الضعف التي تمر بها امتنا العربية ..