كلما تابعتُ التمييز العنصري وأحوال الشباب والإخوة (من أصل أفريقي) الذين وُلدوا ونشأوا وتعلموا في السعودية ولا يعرفون أي وطن لهم سوى السعودية؛ تيقّنتُ أن الحلّ المناسب لهم أن يعودوا إلى وطن آبائهم وأجدادهم بأفريقيا.
صحيحٌ (وأتّفق على) أنّ الارتباط بمكان الولادة والعيش فيه كافياً لأن تكون مواطنا في هذا المكان وخاصة بعد عقود من مغادرة والديك بلادهما لخدمة بيت الله الحرام أو للحج أو التعليم والعمل، وأساليب أو تفاصيل معيشة هؤلاء الأبناء الذين يطلق عليهم "مواليد" هي نفس تفاصيل حياة المواطنين في تلك البقعة - وهذا واضح من حيث اللغة واللباس وغيرهما.
ولأنّ ما سبق ليس الواقع المعاش في السعودية ولا أعتقد أن الموقف السعودي تجاه "المواليد" سيتغير في أي وقت قريب.. فما علينا سوى الاعتراف أن المكوث في أرضٍ تصدر قوانين متجددة ومراسيم تعجيزية تجاه "المواليد" يُطفئ مواهب هؤلاء الشباب وإنجازاتهم المتوقّعة ونجاحاتهم التي ستصبّ في صالح المجتمع السعودي وفي صالح هؤلاء الشباب.
من جانب آخر, أتفهّم أنّ بعضا من الذين وُلدوا ونشأوا في السعودية يتخوّفون من العودة إلى بلدان آبائهم بأفريقيا؛ لأنّ بعضهم لم يزرها قط, وآخرون يرعبهم ما يسمعونه في الأخبار عن إفريقيا من السلبيات - حتى وإن كانت الأوضاع في كثيرٍ من الدول الأفريقية ليست سيئة إلى ذلك الحدّ حيث غالبية وسائل الإعلام تفضّل تجاهل التطورات الجارية في القارة وجوانبها الإيجابية.
من هنا تأتي أهمية تنظيم الزيارات, وعلى سبيل المثال؛ كنتُ أقترح للإخوة الذين يريدون العودة إلى نيجيريا أن يخصّصوا قبل العودة النهائية سنةً أو سنتين مع السفر إلى البلاد مرة أو مرتين كل سنة؛ وذلك للتعارف بين العائلة والتعرّف بالمجتمع المحلي والثقافات والأوضاع بشكل عام, مع إجراء المحادثات مع التُّجار والخبراء المحليين كي يجمعوا المعلومات التي تؤدى إلى اكتشاف المجالات/القطاعات التي يمكنهم الاستثمار أو العمل فيها.
وبالفعل, توجد اليوم نماذج وقصص نجاح كثيرة للذين غادروا السعودية وعادوا إلى نيجيريا وغيرها من الدول الأفريقية, وأصبحوا اليوم رجال أعمال ناجحين في وضع جيد مع الشعور بالأهمية والحرية والراحة والإنجازات, وفي الوقت نفسه يساهمون في بناء مجتمعهم وبلادهم التي تعترف بهم وبحقوقهم - وهم في المقابل يعتزّون بالانتماء لها.
نَعَمْ, قد يكون مقترح العودة النهائية صعبا, ولكنه أيضا حلٌّ طويل الأمد. بل الأمريكيون من أصل أفريقي أيضا يعودون بكثرة إلى أرض أسلافهم.. أفريقيا - رغم بعض الحريات والآليات التي يتمتعون بها في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد صدقت "شيكيشا آيدو" - التي وُلدت ونشأت في الولايات المتحدة, لكنها عادتْ إلى غانا منذ سينين - عندما قالت: "لم أتعلّم في المدرسة أو التلفزيون أي شيء عن أفريقيا، ما عدا طرزان.. وأخبروني أنها صورة غير دقيقة.
"في الولايات المتحدة، كل واحد يهتم بشؤونه فقط، ويخشى التدخل في شؤون الآخرين. سأكون وحيدة تماما هناك. أما هنا (في غانا)، فأنا محاطة بالكثيرين من حولي، ولا أحب أن أترك هذا," تقول "آيدو".