عندما أثيرت قضية خاشقجي نفت الرياض علمها بالأمر وأنها لاصلة لها باختفاء الصحفي جمال خاشقجي وفي الساعات الماضية وفي بيان رسمي ملكي أكد أنه مات في شجار بالقنصلية
أين الجثة التي تم تقطيعها بالمنشار بصورة همجية بربرية تتنافي مع الشريعة الإسلامية الغراء ومع كل الأعراف والمواثيق الدولية بل مع أبسط القواعد الإنسانية ذكرتنا هذه الحادثة التي صارت وصمة عار في جبين المملكة بل في جبين الإنسانية ببعض الجماعات الإرهابية التي كانت تمارس القتل حيلة أو غيلة فهذه العادة عادة عربية متأصلة يذخر بها تاريخنا العربي ولكن هناك جماعة أطلق عليها الخناقون العرب قتلوا مليون إنسان سموا بذلك لأنهم يخنقون الضحية بالخرقة لاعتقادهم أنهم بذلك يتقربون إلي الله سبحانه وتعالي بخنق البشر ويحرمون على أنفسهم قتل الناس بطرق غير الخنق.
الخناقون العرب جماعة إجرامية لم يعرف لها التاريخ مثيلاً ،أعضاؤها مجرمون بالفطرة يولدون و يعيشون لهدف واحد القتل بدون رحمة أو شفقة بل القتل بدون سفك دماء إنهم الخناقون(Thuggee) فمن هم الخناقون؟
الخناقون طائفة إجرامية من الشيعة الإسماعيلية تسمى الحشاشين اشتهرت هذه العصابة فيما بين القرنين الخامس والسابع الهجري، أسّس هذه الجماعة الإرهابية حسن الصباح الذي اتخذ من قلعة الموت في إيران مركزاً لنشر دعوته تخصصت الطائفة في عمليات الاغتيال الإجرامية لرموز الأمة الإسلامية آنذاك فقد نجحوا في اغتيال الوزير السلجوقي نظام الملك والخليفة العباسي المسترشد والراشد ، أما عملية الاغتيال الأشهر التي فشلوا فيها محاولتهم اغتيال صلاح الدين الأيوبي مرتين.
نجح هولاكو في القضاء على هذه الطائفة في فارس سنة 1256م بعد مذبحة كبيرة أحرق قلاعهم ومقراتهم لكن لاذ بالفرار الكثير من أعضاء الطائفة وتحصنوا بقلعة الموت بالهند. وفي الهند وجدت فلول طائفة الحشاشين الهاربة البيئة الخصبة لنشر أفكارهم التي تمازجت مع معتقدات المغول والثقافة الهندوسية انضم إليهم خليط من الأجناس والأديان فيهم الهندوسي والسيخي بجانب المسلم و اندمجوا في منظمة إجرامية واحدة وصاروا أول مافيا عالمية منظمة في التاريخ. أما مايثير الدهشة عن هذه الطائفة التي كانت تمارس القتل بالخنق فكان لديها (فوبيا) الخنق يرتضون الموت بأي قتلة إلا بالخنق!!! وكان من بين الطقوس التي مارسها الخناقون الخنق الجماعي للناس ،وقد شكلت هذه الطائفة منذ منتصف القرن السادس عشر وعلى مدار قرون رعب حقيقي في الهند . لكن عندما نحاول أن نحلل الأسباب الحقيقية لمنهج القتل بالخنق المفضل لدي هذه الجماعة دون غيره من وسائل القتل يشير العلماء والمؤرخون إلي تأثر هذه الطائفة بأتباع الربة كالي (Kali ) آلهة الزمن والموت لدى الهندوس ، حيث اعتقد الخناقون أن الربة (كالي) هي من تأمرهم بقتل الناس خنقاً دون أن تسيل دمائهم. ومما زاد الطين بلة أصبح بعض الخناقين عمداء فى القرى ورؤساء لمخافر الشرطة ، وارتفع مقامهم وعظم نفوذهم حتي فشل العديد من حكام الهند في محاربتهم و القضاء علي شأفتهم بسبب حيطة و حذر الخناقين الشديدة والسرية التامة التي يحيطون بها تحركاتهم.
وعند احتلال البريطانيين للهند مارس الخناقون هوايتهم المفضلة في خطف الجنود البريطانيين وخنقهم ، مما جعل القوات البريطانية المحتلة للهند تعاني معاناة كبيرة وبين عامي 1830 – 1840 شرعت بريطانيا في استخدام أساليب جديدة في تتبع الخناقين و إلقاء القبض عليهم وأخذ الاعترافات منهم بفضل الضابط البريطاني (وليام ساليمان) الذي استخدم حيلاً و كمائن تحاكي تلك التي يستخدمها الخانقون أنفسهم وتمكن من القضاء عليهم ،وقد اعترفت إحدي خلاياهم التي تتكون من عشرين شخصاً بقتل 2500 إنسان . وبحلول 1870 تم القضاء على هذه الطائفة تماماً.
ذكرهم الجاحظ في كتابه (الحيوان) ( 2/ 264) وكانوا منتشرين في البصرة وبغداد على عهده وقال عنهم: “إنهم لا يسكنون في البلاد إلا معاً ولا يسافرون إلا معاً، فلربّما استولوا على الدرب بأسره ولا ينزلون إلا في طريقٍ نافذ ويكون خلف دورهم إما صحارى أو بساتين وأشباه ذلك تسهيلاً للهرب إذا حوصروا. وكان لهم دربٌ ببغداد يسمى "درب الخناقين” حيث يقتادون الضحية إلى دربهم وقد جعلوا على أبوابهم مُعَلِّماً منهم ومعه صبيان يعلّمهم الهجاء والقراءة والحساب. وفي كلِّ دارٍ لهم كلاب مربوطة تشترك كذلك في العملية. ولدى نسائهم دفوف وطبول وصنوج. فاذا أراد أهل دار منهم خنقَ انسانٍ ضربت النساء بالطبول والدفوف والصنوج وأطلقن الزغاريد وصاح المعلّم بالصبيان أن ارفعوا أصواتكم بالقراءة وهيّجوا الكلاب. فلو كان للمخنوق صوتُ حمارٍ لما شعر بمكانه أحد كما أن الناس إذا سمعوا تلك الجلبة لم يشكّوا أن عرساً يجري في دورهم أو فرحاً"
أما ابن الجوزي فتحدث عنهم في( المنتظم ) بتفاصيل أدق وأشمل فقال عنهم :وفى يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى أخذ خناق ينزل درب الأقفاص من باب الشام خنق جماعة ودفنهم فى عدة دور سكنها وكان يحتال على النساء يكتب لهن كتاب العطف ويدعى عندهن علم النجوم والعزائم فيقصدنه فاذا حصلت المرأة عنده سلبها ووضع وتراً له فى عنقها ورفس ظهرها وأعانته امرأته وابنه فإذا ماتت حفر لها ودفنها فعلم بذلك فكبست الدار فأخرج منها بضع عشرة امرأة مقتولة ثم ظهر عليه عدة دور كان يسكنها مملوءة بالقتلى من النساء خاصة ُفطلب فهرب الى الأنبار فأنفذ اليها من طلبه فوجده فقبض عليه وحمل إلى بغداد فضرب ألف سوط وصلب وهو حى ومات".
وفي قاهرة المعز ظهرت مثل تلك الجماعة ،فذكر بدر الدين العيني الحافظ المحدث المؤرخ العلامة من أعلام القرن التاسع الهجري في كتابه (عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان) :أن امرأة اسمها غازية كانت بباب الشعرية قتلت الكثير من الرجال خنقاً والاستيلاء علي أموالهم، وذلك بعد استدراجهم لبيتها بواسطة امرأة عجوز قوادة ويتم قتل الضحايا وكانوا من الرجال راغبي المتعة الحرام وكان يساعدها بعض الرجال ،وقامت أيضاً باستدراج بعض النساء لسرقة مشغولاتهن الذهبية، وشاركها في الجريمة مجموعة من الرجال، وبعد اكتشاف أمرها هي وعصابتها الخمسة نفذ بهم حكم التعليق بالمسامير.
ثم ظهرت عصابة ريا وسكينة في بدايات القرن العشرين في الإسكندرية لتعيد الي الذاكرة مثل تلك الجرائم ،وتطبقها بنفس الطريقة الخنق بالمنديل وتشغيل (الزار) حتي لايسمع أحد صراخ واستغاثة الضحية وكأنهم قد قرأوا تاريخهم، أوأنهم قد توارثوا جيناتهم الإجرامية فصاروا علي نفس الدرب، حتي أعدمتهم الحكومة المصرية شنقاً فكانتا أول امرأتين يحكم عليهما بالشنق في التاريخ المصري الحديث وأعتقد علي مدار التاريخ المصري كله لكن قتلة خاشقجي تفوقوا علي كل هؤلاء ودخلوا التاريخ من أقذر أبوابه. وقبل أن يذهبوا لمزبلة التاريخ لابد أن يحاكموا بتهمة الغباء السياسي.
ثانياً مستحيل أن يصنف هؤلاء علي أنهم رجال مخابرات!!!
ثالثاً مستحيل أن يكونوا بشراً.
رحم الله خاشقجي شهيد الكلمة والقلم وعريس صاحبة الجلالة سواء اتفقنا أو اختلفنا معه نرفض قتله وقصف قلمه وانتهاك حرمة جسده ،وننكر طريقة القتل البشعة التي لطخت ثوب الإنسانية وهالت التراب علي وجوهنا جميعاً ، سيعيش خاشقجي أكثر من قاتليه الذين منحوه الخلود والبطولة وجعلوه أيقونة ورمز للرأي والحرية دون أن يدروا ،ولو تركوه لما أصبح بطلاً ورمزاً. فزلزال قتل جاشقجي لن يمر بسهولة وسيخلف توابع وهزات وعواصف فهل يكون دم خاشقجي وقوداً لزيارة الربيع العربي للرياض؟