وفقا لموقع "إكسبرس" البريطاني، توصل الباحثون خلال اختبار الحمض النووي على مومياء ذكر مصري إلى اكتشاف مذهل، بعد العثور على مسمار حديدي قطره 23 سم داخل ركبته، يصل بين الفخذ وأسفل الركبة، كجراحة تعويضية متطورة للغاية.
والمومياء المصرية التي تعود للقرن الحادي عشر قبل الميلاد تعرف بمومياء "أوسر مونتو"، وقد أوردت قصتها عدة مواقع صحفية بريطانية، حيث اشترتها بريطانيا عام 1971 ووضعتها في المتحف البريطاني، وجاء الاكتشاف الأخير للمسمار بالمصادفة من خلال الأشعة السينية "إكس".
وأعرب الخبراء الطبيون عن دهشتهم الشديدة من هذا الاكتشاف، الذي اضطرهم للحفر في العظم للسماح بإيصال كاميرا تنظير إلى المفصل، لإلقاء نظرة فاحصة. وأكد الكشف الدقيق ما اعتقد الخبراء أنه مستحيل, وهو أن هذه العملية تمت منذ أكثر من 3000 سنة.
ولم يندهش الباحثون فقط من فكرة وضع المسمار في مومياء، لكن التصميم المتطور للمسمار وللعملية ذاتها هو ما زاد من إبهارهم، إذ أن المسمار مثبت في مكانه بواسطة الراتنج أو الصمغ العضوي، على غرار الأسمنت الحديث، الذي يشبه كثيرًا أسمنت العظام الذي لم ينتج في أوروبا إلا عام 1940، وتبين أن المسمار وضع في الجثة حين وفات صاحبها، الذي لو عاش لمارس حياته بشكل طبيعي.
وقال جراح تقويم العظام من جامعة "بريجهام يونج" وأحد أعضاء الفريق، ريتشارد جاكسون: "المسمار مصنوع من بعض التصاميم نفسها التي نستخدمها اليوم للحصول على استقرار جيد للعظام".
ووفقا للموقع، يبدو أن الأطباء المصريين القدماء عرفوا كيفية استخدام الفلنجات على مسمار، لتثبيت دوران الساق.
وحتى الآن، لم يتم العثور على أي مومياء أخرى تحوي أدلة على إجراء جراحة مشابهة.
وقال الدكتور ويلفريد جريجس، الذي قاد فريق العلماء الذي يجري أبحاث الحمض النووي على المومياء، عندما توصلوا إلى هذا الاكتشاف المذهل: "يجب أن نعطي للقدماء المصريين الكثير من الفضل في ما قاموا به، إذ أن العملية الجراحية متطورة للغاية، ولم ينجزها الغرب إلا في القرن العشرين، والأغرب هو التصميم المتطور للمسمار المتحلزن، الذي يتفق مع التصاميم المماثلة التي تتم الآن، بواسطة الحاسبات المتطورة، التي تدرس حركة وتشريح الأعضاء وعلاقتها ببعضها البعض".
وأضاف أن هذا الكشف العلمي يكشف أن أطباء مصر القديمة، كانوا على دراية عالية بكيفية استخدام الحواف المتبارزة للبنية التشريحية لتطبيقها على التحلزن الصناعي، لتحقيق ثبات إدارة الساق بعد وضع العضو الصناعي.
وووفقا للموقع البريطاني، توصل المصريون القدماء إلى معرفة وظائف الأعضاء، وطبيعة عمل القلب والرئتين والمعدة والكبد والبنكرياس، من خلال إتقانهم لعلم التشريح والتحنيط معًا.
هذه المعرفة الدقيقة مكّنتهم من معرفة الجزء الذي يمكن منه فتح الجسم البشري، والوصول إلى الأعضاء الداخلية وتحنيطها دون إتلافها، من خلال فتحة صغيرة لا يتجاوز طولها بضعة سنتيمترات في الجانب الأيسر من البطن.
وكان المصريون القدماء بحسب الموقع يربطون خلال عملية التحنيط أجزاء الجسم بعضها ببعض، وهو ما مكنهم من إجراء عمليات جراحية عُثر على آثارها في بعض المومياوات قبل حوالي 4500 سنة، إذ أمكن للطبيب المصري أن يُجري عمليات بتر للأرجل والأيدي المصابة، وكان يعرف طرق وقف النزيف ومعالجة الأوردة والشرايين.
وأشار الموقع إلى وجود رسوم على جدران معابد فرعونية بمصر، تُظهر إجراء عمليات جراحية، وجلوس مريض بين يدي طبيب، كما في مقابر الوجهاء بسقارة وغيرها. كما عرفوا التخدير من خلال سحق حجر كان يؤتى به من مدينة منف، ثم يمزج بالخل، ويوضح فوق العضو الذي يتم شقه، فيزول الألم وقت إجراء العملية الجراحية، إذ اكتشف الفراعنة، أن حامض الخل يولد من خلال مسحوق الحجر حامض الكربونيك، الذي له قدرة فعالة على التخدير.
على ما يبدو أن الحضارة المصرية لم تتميز بإبداعاتها في مجالات الجراحة فقط، لكنها تميزت أيضاً بأقدميتها في التعامل مع الأمراض المعاصرة، وهذا ما تؤكده دراسة ستنشرها دورية جراحة المخ والأعصاب العالمية World Neurosurgery في أكتوبر المقبل.
وأعلنت دار نشر "السفير" التي تُصدر الدورية أن العدد المقبل، سيسجل نجاح فريق بحثي إسباني في تسجيل أقدم حالة مصابة بمرض "تكهف النخاع" في مومياء فرعونية.
وقالت دار النشر على موقعها الإلكتروني إن الفريق البحثي فحص 36 مومياء جزئية وكاملة تحتوي على بنى عصبية، من مقابر "دراع أبو النجا" غرب الأقصر، و"الشارونة" و"القرارة" في محافظة المنيا، ليكتشفوا إصابة إحداها بالمرض.
ووجد الفريق البحثي خلال الفحص تجويفا في منطقة النخاع الشوكي بأحد المومياوات، قطره 3.2 ملم، وهذه علامة ظاهرية في تشخيص تكهف النخاع.
يُعرف هذا المرض بأنه مزمنٌ ويحدث نتيجة تشكل كيس أو تجويف ضمن الحبل الشوكي، خاصة في المنطقة الرقبية منه، ويمكنه أن يتوسع ويستطيل مع مرور الزمن، فيدمر جزءاً من النخاع الشوكي.
ووفقا لصحيفة "جارديان" البريطانية، يوصف المرض طبياً بأنه نادر الحدوث، إذ يصيب نحو 8.4 حالات لكل 100 ألف شخص، وهو ما يعطي هذا الاكتشاف الذي توصل إليه الفريق البحثي الإسباني قيمة كبيرة من الناحية الطبية.
ويأمل الفريق البحثي بأن يساعد هذا التسجيل لأقدم حالة مصابة بالمرض، في الأبحاث العالمية التي تجرى لمعرفة أسبابه، إذ إنه من الأمراض التي تُعرف بين الأطباء بأنها مجهولة الأسباب.