في أحد الأحياء الدمشقية تقطن عائلة ابوكرم، رجل يملك من صفات الرجولة ، والمرؤة تجعل الكل يلتف حوله من اهل الحي ،بجاذبية طبيعية لمن عرفه فاحبه الحي واحبوه.
ودع أسرته ذات يوم وخرج على امل العودة سريعا بعد انتهاء عمله في إحدى المحافظات السورية ، تطلب منه العمل ان يغيب عن أسرته لعدة شهور ،لذا تحملت المسؤولية عوضا عنه زوجته أم كرم ، المرأة الحديدية ، التي مزجت الصلابة ،واللين في إدارة شؤون المنزل وتربية أطفالها، في كل يوم كانت تنتظر عودته وتقف على شرفة المنزل تحدق في الشارع ،للغاديين والقادمين عله يعد لها مفاجأة ويثلج صدرها من الخوف الذي يراودها بين الفينة والأخرى إحساس غريب ينتابها ولكنها لم تكن تدرك ما هو. هاتفته عدة مرات، لتطمئن عليه، فكان جوابه سأعود في الاسبوع القادم .، جهزي نفسك والأولاد سنذهب برحلة إلى البحر على الساحل السوري احزمي الأمتعة؟ واعدي كل ما يلزم لهذه الرحلة؟
فرحت كثيرا واخبرت اطفالها بذلك أخذ الأطفال يرقصون فرحا وعلت اصواتهم في المكان مهللةً بتلك المفاجأة التي اعدها لهم والدهم.
نظرت إليهم وامتلأت عيناها بالدموع، شعور عارم ورغبة كبيرة لديها بالبكاء فامتزجت دموعها مابين الفرح ،والحزن، ناجت الله في سريرتها ان يحفظه وأبنائها وإن يعيده لها سالم من عمله. مضى الاسبوع. يزحف كسلحفاة مريضة، وكأنه شهور ،بل اعوام .
شيء ما يسري في داخلها ودفين في قلبها لا تعرف ما هو. تسارعت نبضات قلبها وازداد الخفقان .اسرعت بخطواتها كأنها في سباق مع الريح لتصل الي شرفة المنزل شعرت بان المسافة بين الشرفة وغرفة الجلوس طويلة جدا بالرغم هي قريبة منها كقرب سواد العين لبياضها وقفت على الشرفة واخذت تجول بعينيها الواسعتين الشارع المقابل ،لعل سيارته ذات اللون الأبيض الثلجي تبدو إليها ولكن خانتها عيناها هذه المرة فلم تشاهده. عادت إلى غرفة الجلوس وطلبت من أبنائها انتظار والدهم والوقوف على الشرفة لمراقبة وصوله علىّ صوت بوق السيارة في بداية الشارع المؤدي إلى الحي صاحت هبة ابنته الصغيرة أنه صوت بوق سيارة والدي لقد عاد لقد عاد، جلب لي معه ثياب جميلة وحلويات لذيذة آه كم اشتقت لك يأبي
خرجت مسرعة مثل فراشة حتى وصلت مدخل العمارة، سارعت ام كرم بالطلب إلى ولدها كرم لملاقاة والده ومساعدته في نقل الحاجات والامتعة التي ابتاعها لهم .
أسرع كرم بن الحادية عشر النحيل ، الضئيل الحجم ولكنه كبير بالقول، والفعل وتعتمد عليه والدته في تأمين متطلبات المنزل في غياب والده حباه الله بعقل راجح يميزه عن أبناءجيله.
وقفت أم كرم تنظر إلى زوجها وهويركن سيارته كالعادة بجانب الرصيف المقابل للمنزل، حامدت ألله على عودته سالما إليها، هي وأطفالها. ترجل من سيارته بابتسامته المعهود ملوحا لها بيديه
رأت بابتسامته عالمها وكونها السعيد وكأنهافي طقوس العيد. أسرعت لاستقباله على باب المنزل وهو يحمل بين ذراعيه طفلته الجميلة هبة ذات العينين الخضراوين اللتين تشعان نورا ويهاء وقد أسدل شعرها الذهبي على كتفيها كخيوط الشمس الذهبية التي تنثر نورها على الارض. علت السعادة على وجوه العائلة الصغيرة الجميلة والمحبة. شكرت أم كرم الإله في مناجاتها على عودته سالما معافى.
نادى بصوته الدافئ على أفراد اسرته ليتجمعوا لقدحان وقت توزيع الهدايا هيا تعالوا .فرح الجميع بالحاجات التي ابتاعها لهم وطلب إليهم إن يخلدوا لنوم باكرا لانهم بالغد سوف يذهبون برحلة إلى البحر ذادت سعادتهم أكثر فاكثر وخلدا إلى النوم في غرفتهم الخاصة بهم على امل صباح يوم مشرق وجديد حاملا معه الفرح، غير إن الرغبة الشديدة في الذهاب جعلت النوم يهرب من عيونهم . بزغ الفجر ، صوت الاذان في جامع الحي يملئ آذانهم، اسرع الجميع لحزم الأمتعة، ولوازم الرحلة، ووضعت مستلزمات الرحلة كل في مكانه الطعام، الاشربة ،وتفقدت الأم ما ينقصهم، فصاحت: لقدنسينا الخبز هيا يا ابو كرم؟ ننتظر عودتك وقف الصغار عند الشرفة لمراقبة عودته . علا صوت إطلاق الرصاص في الحي، ارتعدت خوفا من سماع تلك الأصوات ،صاحت بصوتها الشجي رباه عسى أن يكون خير ولكنها لم تكن تعلم بأن تلك الرصاصات التي اطلقت كانت قد اخترقت جسد زوجها ليفارق الحياة ليرتقي إلى الملكوت الأعلى معلنا الرحيل دون ان تتم الرحلة .
بأعلى صوتها لقد انتظرتك طويلا ولكن هذه المرة خانني القدر