الهم والغم والحزن الذي يصيب العبد في نفسه لهو من أعظم البلاءات التي تكفّر الذنوب، وتمحص الإيمان، والصبر والثبات على الابتلاء، وهو علامة الإيمان والصدق مع الله سبحانه وتعالى، وإن الدين الإسلامي القويم قد عالج هذا الداء بعلاج إلهي عظيم وهو كالآتي:
أولا: الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا، والرضا بقضاء الله وقدره. يقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا» رواه مسلم.
إن عمل الرضا في النفس البشرية عمل عجيب؛ إذ إنه يذيب شتى أنواع الآلام والأحزان، الناتجة عن التعرض للمواقف والمشكلات، أو المصائب التي ربما تحدث للإنسان فتزيده اكتئابا، أو تظلم الحياة في عينيه، يقول الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، وأصل الرضا هنا هو صحة العقيدة في الله، فمن رضي بالله ربا وإلها ووحد عبوديته له سبحانه وحده فلم يشرك به شيئا، طهّر قلبه من خبائث الشركيات والتعلقات بغير الله، وهو ذاك الذي يهديه الله ويشرح صدره، قال الله سبحانه: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}.
ثانيا: القناعة: وأقصد بها هنا معنى قد يخفى على كثير من الناس؛ وهو بينه وبين الرضا علاقة عموم وخصوص، فالقناعة هي قبول الحظ المقسوم للإنسان من الرزق والمال والأولاد والقوة والصحة والمتاع، يقول النبي صلى الله عليه وسلّم:«ليس الغنى بكثرة العرض إنما الغنى غنى النفس» رواه مسلم.
وأثر القناعة كعلاج للهموم مهم جدا؛ إذ إن كل قنوع غير متشوف لما في أيدي الناس، وغير ساخط على حاله من الفقر أو الصحة أو غيره، قال الشافعي:
أمت مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس إن طمعت تهون
منها التوكـل على الله :
فعندما أُلقي إبراهيم عليه السلام في النار قال : حسبنا الله ونعم الوكيل , فجعلها الله عليه برداً وسلاماً , ولما هُدد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيوش الكفر والضلال قال : ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ ١٧٣ فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ ١٧٤﴾[آل عمران:174]
منها الإيمان بالله إيماناً حقيقياً كاملاً :
ومما يدل على أن الإيمان بالله سبب لانشراح الصدر : قوله تعالى : ﴿أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٢٢﴾[الزُّمَر:22]
وقال تعالى : ﴿فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِۚ مِنُونَ ١٢٥﴾[الأنعام:125]
وعلى حسب كمال الإيمان وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه.فالشقاء كل الشقاء , والضيق كل الضيق لمن فقد كنز الإيمان , ورصيد اليقين , ورياحين القرآن , ولذة مناجاة الملك العلام , وصدق العلي العظيم ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤﴾[طه:124]
ومنها الصبر والتحمل
قال د/ عائض القرني : " إنك ستواجه في حياتك حرباً ضروساً لا هوادة فيها من النقد الآثم المر , ومن التحطيم المدروس المقصود , ومن الإهانة المتعمدة ما دام أنك تعطي , وتبني , وتؤثر , وتسطع , وتلمع , ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقاً في الأرض , أو سلماً في السماء فتفر من هؤلاء , أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسؤوك , ويبكي عينك , ويدمي مقلتك , ويقض مضجعك ...إن الجالس على الأرض لا يسقط , والناس لا يرفسون كلباً ميتاً , لكنهم يغضبون عليك ؛ لأنك فقتهم صلاحاً , أو علماً , أو أدباً , أو مالاً , فأنت عندهم مذنب لا توبة لك حتى تترك مواهبك , ونعم الله عليك , وتنخلع من كل صفات الحمد , وتنسلخ من كل معاني النبل , وتبقى بليداً غبياً , صفراً محطماً , مكدوداً هذا ما يريدون بالضبط .
إذاً فاصمد لكلام هؤلاء , ونقدهم , وتشويههم , وتحقيرهم " أثبت أحد" , وكن كالصخرة الصامتة المهيبة تتكسر عليها حبات البرد لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء ".[2]
ومنها المداومة على الأعمال الصالحة :
إن المداومة على العمل الصالح سبب لانشراح الصدر يدل عليه قول الله تعالى :﴿مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٩٧﴾[النحل:97]
وكذلك من العلاجات كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك جاء في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان له ورد يقوله، وأدعية في وقت من يومه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: كم أجعل لك من دعائي، من وردي؟ قال: (ما شئت) قال: الربع، قال: (ما شئت) قال: الثلث؟ قال: (ما شئت) قال: النصف؟ قال: (ما شئت) قال: إذن أجعل لك دعائي، وأجعل وردي وذكري هذا كله صلاة عليك، قال: (إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك) إذن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تزيل الهموم، ويكفى الإنسان بها من الغموم.
الأدعية والأذكار من أعظم علاجات الهموم والغموم.
وكذلك من العلاجات القرآنية النبوية هذه الأدعية التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب العرش الكريم) إذن لا إله إلا الله الحليم الكريم، تهليلة مختومة باسمين عظيمين، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، القدرة، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم.
كذلك علمنا أن نقول إذا أصاب أحدنا هم أو غم: (اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك) التحكم الكامل، (ناصيتي بيدك، عدلٌ فيّ قضاؤك) هذا اعتراف مهم جداً، مهما كتبت علي لا اعتراض، مهما كتبت علي، ذهاب نفوس، خسارة أموال، ظلم يقع علي من أقارب أو أباعد، مهما كتبت علي أنا ملكك، إنا لله وإنا إليه راجعون، ((عدلٌ في قضاؤك)) لا يوجد تبرم من القضاء، اعتراف العبد بعدل الله حتى في حال الحزن والغم والهم والمصائب التي تغشاه، (ماضٍ في حكمك) هذا الاستسلام للقضاء والقدر، (أسألك بكل اسم هو لك) سؤال الله بأسمائه وصفاته سؤال عظيم، وفي الدعاء شأنه عظيم، (أسألك بكل اسم هو لك، أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه) هذا دعاء علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بتعلمه، فشأنه وأثره والتداوي به نافع جداً.
دعوات المكروب، (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) الاستعاذة نافعة أيضاً.
ومنها: الدعاء :
بالدعاء تتحقق الآمال , وتتيسر الأمور , وتُقضى الحاجات , وتُفرج الكربات , فينبغي للعبد أن يُلح على الله عز وجل بالدعاء حتى يستجيب له .
ومنها الإخلاص
إن إخلاص العمل لله عز وجل سر من أسرار السعادة ؛ لأن العبد إذا كان يعمل للهعز وجل , ويبتغي ما عنده من الأجر والثواب , فإنه لن ينتظر شكراً من أحد , ولا ثناء , ولا حمد , فلا يتبع نفسه الحسرات , والندم , والآهات إن لم يتلقى كلمة شكر , أو إحسان ممن أحسن إليه , أو بذل له معروفاً .
ومتى لازم العبد الإخلاص وجعله شعاره نجاه الله من الكربات وأزاح عنه الهموم والمنغصات , ومما يدل على أن الإخلاص لله في الأعمال سبب لتفريج الكرب , وزوال الهم , والغم , النفر الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار فالأول : توسل ببره لوالديه , وتوسل الثاني : بعفته عن الحرام , وتوسل الثالث : بأمانته , وكل واحد منهم يقول : اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه