دعتني لصالونها الثقافي فأجبت دعوتها، كانت حفاوة استقبالها تشبه سمو أخلاقها ورقي جمالها وعنصرها الكريم، كان صالونها يناقش في هذه الليلة موضوع "الضمير"
جال بخاطري فكرة ظهور الصالونات الثقافية والتي بدأت في العصر الجاهلي كانت تسمي آنذاك"مجالس أدبية" كسوق "عكاظ" الشعري الذي كان يتباري فيه الشعراء بأجمل القصائد والأبيات الشعرية في شبه الجزيرة العربية، والمجلس الأدبي "لسيف الدولة الحمداني" وكان من رواده "المتنبي" و"أبو فراس الحمداني"، مرورا بمجالس العصر الأموي وأشهرها مجالس "عبد الملك بن مروان"، والعصر العباسي وأشهرها مجالس "المأمون" الذي كان عالما ذكيا فصيحا محبا للعلم والعلماء، لم تكن هذه المجالس العلمية الأدبية مقصورة علي الشرق فقط بل أيضا كانت تعقد مجالس أدبية في الأندلس كمجلس "ولادة بنت المستكفي" وأشهر روادها شاعر الأندلس الشهير "ابن زيدون."
وفي العصر الحديث حدث ولا حرج عن صالونات مصر الثقافية العريقة التي كانت ومازالت مؤشرا ومعبرا عن حال الثقافة المصرية أدبا وشعرا ونثرا بل وسياسة.
أشهر هذه الصالونات كان صالون "مي زيادة" الذي استمر ما يقرب من عشرين عاما كان يعقد كل ثلاثاء وكان يحضره خيرة مثقفي مصر أمثال أمير الشعراء "أحمد شوقي"، و"الرافعي"، و"العقاد"، و"مطران"، وغيرهم، من أعلام ومثقفي مصر والوطن العربي، و"صالون العقاد" الذي كان يعقد صباح كل جمعة وصفه لنا بدقه "أنيس منصور" في كتابه "في صالون العقاد كانت لنا أيام" حيث يعطينا ملمحا قويا لصالون العقاد ليؤرخ لنا عن قرب صفحة من صفحات الحركة الأدبية لهذا العصر، والصالون الشهري
للشاعر الكبير الدكتور "أحمد تيمور"، وغيرها' من الصالونات الأدبية التي اشتهرت بها "المحروسة" يتباري فيها أصحاب الفنون والآداب والأقلام بما تجود به قرائحهم، فتكون هذه الصالونات بمثابة مدارس أدبية وفكرية وثقافية ومنارة للإبداع والفنون والآداب وتلاقي الأفكار ومناقشتها، والسمة اللافتة للنظر في صالونات العصر الحديث اقتحامها لعالم السياسة ومناقشة أمور الحكم دونما وجل أو خوف كما يحدث في صالون الدكتور "علاء الأسواني".
بداء ضيوف الصالون يسترسلون بإسهاب بكلمات مثالية مختارة بعناية، كل يعبر عن رأيه بالتتابع، اتفق الجميع علي أن مصر تعاني من فيروس قوي يسمي "غياب الضمير" وأن هذا المرض داء عضال من السهل تشخيصه ولكن من الصعب الشفاء منه، لأنه أمر متعلق بالجينات، بالبيئة، بالتربية، بالأخلاق، بالقيم، بالمثل، بالمبادئ، بالوازع الديني، فليس له أعراض حسية، أو طبية ،ولا يعالج في مستشفيات ولا في عيادات، وأن مرد كل الكوارث والأزمات والمشاكل والقضايا التي مرت بها مصر أو تمر بها الآن سببه هذا الداء اللعين "غياب الضمير"،وضربوا مثالا حيا لذلك "جشع التجار" وقبل أن يحين دوري وجدت قلمي كعادتي وعادته يسجل هذه الكلمات.
تماثيل عاجية، صور جمالية، أشباح مسخ هزلية، وميض لامع ينهك البصر ولا يريح العين، لا تشعر معه بحياة، بل تنتابك منه رائحة عفنة كالذي يمر بشواهد قبور فيدس أنفه في ملابسه حتي يكتم رائحة الموت، هل يأتي يوم علي الإنسان ويكون هكذا كتمثال من البرونز، كنخل خاو منتصب كالأوتاد عندما يشاهد من بعيد وعندما تقترب منه عن كثب تجده ميتا، كيف يجتمع الضدان الموت والحياة؟ جسد حي وضمير ميت! كعربة أحدث موديل ولكن محركها فاسد، بيت منمق مزين من الخارج ولكنه كبيت العنكبوت الذي لا يعيش ولا ينسج خيوطه إل افي البيوت المهجورة الخربة خيوط ضعيفة واهية تسكنها الحشرات، عرائس ماريونيت خالية من الحياة غاب عنها الإحساس فليست من دم ولحم، طبل أجوف لا يسمع منه إلا صوت،
إنسان بلا ضمير كقنديل بلا زيت.
قهقهت بصوت عال أطفأت قنديل الصالون قلت لها معاذ الله منير دائما أبدا بجمال صاحبته...