لا يخلو اليوم بلد عربي من جمعية غير حكومية أو أكثر، تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، لكن الوضعيات القانونية لتلك الجمعيات تختلف من بلد إلى آخر باختلاف الأوضاع؛ فبينما يتمتع بعضها بالترخيص القانوني، يضطر بعضها الآخر إلى العمل في كنف السرية أو في المهجر؛ توَقِّياً من التبعات الأمنية والقضائية.
وظلت الحركة يتجاذبها اتجاهان: الأول ينزع إلى المشاركة في أعمال المعارضة السياسية، وينزع الثاني إلى الانخراط في الحراك المدني بعيداً عن كل ولاء حزبي أو تصادم حادٍّ مع السلطة. لكن الظروف السياسية والاجتماعية التي حفَّت بنشأة الحركة جعلت المنزع الأول يغلب على الثاني في أكثر البلاد العربية؛ فنشأت عدة خلافات بين الحكومات وبين الجمعيات الحقوقية كلما نشرت هذه بياناتٍ وتقاريرَ تفضح انتهاك الحريات والحقوق في بلدانها.
وقد كان النشطاء الحقوقيون يرون أن أسلوب النشر وإعلام الرأي العام المحلي والدولي بواقع الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، هو الحل الأمثل لحَمْلِ الحكومات، تحت وطأة الضغط والإحراج، على تغيير سياساتها وتوفير مزيد من الحقوق والحريات. وفي مواجهة هذه الأنشطة الاحتجاجية والتقارير الفاضحة، اعتمدت الحكومات العربية في البداية على سياسة الرفض والتكذيب. لكن إخفاق هذه السياسة في التقليص من فاعلية الحركة الحقوقية، جعلها تهتدي إلى طريقة جديدة قوامها الاحتواء والإدماج، وذلك على مستوييْن اثنين: