عندما يتعايش أحدهم مع الحرب طول فترة حياته ، حتى تنقلب القاعدة أن تصبح الحرب عادة والسلام مجرد حدث صغير حينها يصبح مجرد اسكات صوت البنادق حلم يتمنى تحقيقه باي ثمن ، وعندما تصبح الاتفاقيات الغير مضمونة مجرد هدنة صغيرة يستطيع الإنسان أن يغفو خلالها ملئ جفونه ، يمر به اطمئنان كاذب ومفرح وحلو بانه يعيش في سلام ، ثم عندما يٌسأل عن معنى السلام في هذه الاجواء الملتبسة ، اقرب اجابة تأتي الى ذهنه وقلبه ولسانه هي الأمنيات القريبة الضرورية ، وهي جزء من دعواته وابتهالاته اليومية : ان تتوقف الحرب ، ان تصمت اصوات البنادق ، ان يتوقف نزيف الدم . ولكن هل هذا هو السلام الحقيقي !!؟ اسطتيع ان اقول ان هذا جزء يسير جدا من معاني السلام الحقيقية ، معاني السلام المضمونة العواقب التي تؤمن الحاضر وتجعل المستقبل براقاً ومزدهرا وممكناً ، مبعد عنه شبح الحرب والنزاعات المسلحة العنيفة الغير مبررة !.
فالحروب تنفجر فجاءة وقد يتطلب الامر اخمادها بسرعة ولكن السلام يجب ان لا يأتي بتلك السرعة الخادعة ، انها عملية طويلة الأجل ولكنها ليست مستحيلة, يجب ان يتشارك الجميع في بناءها دون بتر لاي نوع من الاختلافات ، بل يجب توظيف هذه الاختلافات بكل الطرائق ومحالة تمثيلها ايجابياً لخدمة التعايش السلمي وممارسة اللاعنف في حل الاشكالات التي تظهر من حين الى اخر وتصب في خانة الطبيعي . السلام الذي يجب ان نحلم به هو ما نردة ان يحل فى السودان وليبيا واليمن وسوريا ولبنان والعراق وفلسطين بأيدي ابنائه، السلام هو ألا يتم استغلال طوائف أو فصائل أو قبائل أو شرائح مجتمعية معينة لصالح السياسة، لأن لكل واحدة منهم خصوصيتها وأهميتها ، فذاك الخلط الغير حكيم هو الذي ادى الى هذه التشوهات والخيبات التي سببت لنا الكثير من الألم .
إن للحرب أسبابه الجذرية والسطحية واغلب الناس ينخدعون بالأسباب السطحية ويحاولون حلها بسرعة لتعود الامور بسرعة الى وضعها الطبيعي ثم يأتي ذاك الشعور المؤقت براحة الضمير والشعور بالارتياح ،
فالسلام الحقيقي هو قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : " وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "، فالسلام هو الأصل في العلاقات بين الأشخاص والمجتمعات الإنسانية والدول، وهو تشريعٌ إلهيٌ يحاكي الفطرة السليمة للإنسان، لأن الأصل في الحياة هو السلام، والبحث عن أسباب الأمن والاستقرار والرخاء، والبعد عن كل ما يؤدي للخراب والحروب والدمار،
وما أكثر المؤتمرات والندوات الدولية والمحلية التي تدعو لضرورة إحلال السلام وخاصة في ظل الصراعات والمنازعات التي تملأ أرجاء الكون سواء علي المستوى الإقليمي , الدولي أو حتى المحلي وبالرغم من ذلك فما اكثر البقاع التي تزدحم بالدماء المسفوكة والأرض التي آبت أن تواري دماء ضحاياها بحثا عن السلام بل أقول أن دماء هؤلاء جميعهم تصرخ……أين السلام؟
فالسلام في اليونانية (έίρήνηη) إيريني , وهي جاءت بمعاني “سلام, سلامة, صلح, مصالحة, أمن, آمان”. وكانت التحية عند اليهود هي السلام, ويقصد بها الاطمئنان والراحة والسرور. فالسلام في مفهومهم هو زوال مسببات القلق والضيق وهكذا لا يكون هناك سلام مع وجود مضايقات.
هذا الى أن جاء المسيح وقدم للبشرية الحائرة المعنى الحقيقي للسلام. فيقول السيد المسيح في عظته علي الجبل “طوبى لصانعي السلام. لأنهم أبناء الله يدعون”( مت 5: 9).
كما نجد المسيح في الموعظة علي الجبل يقدم معنى إيجابي للسلام، على انه أسلوب للحياة في كل ظروفها ليس معناها الحياة بلا متاعب لكنها الحياة الساعية لطلب وصنع السلام مهما كان مكلفا ومتعبا. والتطويب لم يكن من نصيب محبي السلام أومن يصلي من اجل السلام أومن يشجع وينادي بالسلام أو حتى من يحافظ علي وجود السلام بالرغم من أهمية كل هذا، لكنه لمن يصنع السلام.
فالسلام صناعة وكل صناعة تحتاج الى صناع مهره بارعين تحتاج الى جهد وعرق,فاين صناع تلك الصناعة. فها نحن نرى السلام ليس سهلا أو مجرد كلمة عابرة، بل هو أساسٌ من أساسات استقرار الدول، وركيزةٌ مهمةٌ تستند عليها حياة الشعوب، فبلا سلام لا توجد حياة مستقرة، وبلا وجوده أيضاً تنعدم أسباب الرخاء، وتتراجع كل فرص الحياة إلى الخلف، من تعليمٍ، وصحة، وتطور، وحياة، لأن الحرب وهي نقيضة السلام، تدمي القلوب، وتشعل الفتن، وتنهي حياة البريئين، وتسبب في أن يكون الحزن عاماً وطاماً على الجميع. فالسلام ليس كما يروّج له البعض، بأنه استسلامٌ وتراجع، بل هو خطوة جريئة، لا يقوم بها إلا القائد الفذ، الذي يختار أن يسير بدولته من ويلات الحروب والدمار، إلى حياة الأمن والأمان، لأن الخاسر الأكبر دائماً هو الإنسان، فالسلام فيه حقنٌ للدماء، وإيقافٌ لكل ما يؤدي لزعزعة الأمن والاستقرار، مما يتيح للشعوب أن تتطور، وتكبر، وتفرّغ طاقتها للخير والعلم والأدب، بدل أن توجه طاقاتها الثمينة للتسليلح والحروب والقتل والدمار. لا تقتصر أهمية السلام على تجنيب الشعوب الحروب، بل تجنبها أيضاً التشتت والهجرة، والمنافي، وتجعلها آمنةً باقيةً في أوطانها، فكم من دولةٍ عانت من الحرب، فتشتت أبناؤها، وضاعت فرصهم في بلادهم، فخسروها وخسرتهم، وكان بالإمكان أن لا يحصل كل هذا، لو أن الحرب تبدلت إلى سلام. السلام أيضاً، فيه اقتداء لسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، الذي صنع معاهدات سلامٍ مع كفار قريشٍ ومع اليهود، لعلمه المطلق، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، أن السلام له فوائد عظيمة وكبيرة، تجنيها الأمة، وتستفيد منها، بشرط أن تفي جميع الأطراف المتعاهدة على السلام بشروطه، وأن تلتزم التزاماً كاملاً بمتطلباته، وعدم نبذ السلام، أو نقضه، أو المساس به.
السلام، اسمٌ من أسماء الله الحسنى، وصفةٌ من صفاته، وهذا دليلٌ آخر على أن السلام هو الأصل في العلاقات بين الأفراد والشعوب، وأنه يحقق رخاءها واستقرارها، وأن عالماً بلا سلام، هو عالمٌ أسود، يسوده الدمار والقتل والحرب وسفك الدماء، لذلك، مسؤولية تحقيق السلام، هي مسؤولية الجميع، التي يجب أن نسعى كلنا لأجله،
ولا شك أن المنطقة العربية كلها تتمنى أن يعم العالم والوطن العربى سلام شامل عادل , نعم سلام عادل , لا تظلم فيه دولة ما , ويغتصب حق من حقوقها , ولا يدخلها مستعمر ينهب ثرواتها ويأخذ خيراتها زاعماً أنه جاء من أجل السلام والبناء والتعمير !! فكيف يكون ذلك ؟ ! كيف يصبح المحتل المغتصب مصلحاً وداعياً للسلام ؟ ! إنهم ما جاءوا أرضنا إلا لخيراتنا, فمتى تعيش فلسطين والعراق ولبنان والسودان واليمن وليبيا وسوريا وكل الدول العربية فى سلام آمن عادل ؟ متى يأمن كل والد على أولاده ؟ متى تطمئن النفوس فى المضاجع ؟ يا كل دول العالم الحديث نريد أن نعيش فى سلام ونسمع كلام رب الأنام ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ) , ونسمع لرسول الله ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) فلا معنى لمجتمع بلا حب , ولا وجود لحب دون أن يغمر السلام كل الدول , ولا دخول جنة إلا بنشر السلام العادل .
وبعد ذلك كله , فما مفهوم السلام ؟ السلام هو سلوك حيوى معيشى ينبع من قيم المجتمع واتجاهاته ويجب أن يربى عليه الأفراد منذ نعومة أظافرهم , والاسلام كما سبق دعا إلى السلام العادل فقال ( ادخلوا فى السلم كافة ) واختار الله عزوجل لنفسه اسم ( السلام ) ولا عجب فى ذلك فهو السلام سبحانه وتعالى , وكل ذلك دليل على أن العرب لا يجيدون العنف والإكراه والإرهاب . وقال تعالى ( لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ) , وقال تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ) ,
وما أجمل قول الشاعر
تحياتــــى لمجتمع السلام *** وكفــى ممسك بيد الحسام
فإن جنحوا لسلم فهو سلم *** ترف عليه أسراب الحمام
وما قيل ايضا فى السلام
فجر السلام يشع من عليائه ليضم كل الناس تحت لوائــــه
جعل الإله السلم من أسمائه نفحات هذا الكون من أصدائه
الجزء الأول