لم نعِ قديمًا تلك المفاهيم التي مالبثت تجتاح المجتمع الآن، أو بمعنى أعمق لم نحاول أن ننسب تلك المفاهيم لأصحابها.. فكنا هكذا سائرين بالركب وقلَّما نسأل لماذا يفعل هذا الشخص ذلك التصرف أو لماذا تقوم تلك المرأة بردة الفعل هذه؟!
أيها المُربُّون الفاضلون آن الأوان أن تنتبهوا ، إنكم تصنعون بإيديكم وتقومون بتشكيل ابنًا أنانيًّا نرجسيًّا وتقدمونه للمجتمع على طبقٍ من ألمٍ ومعاناة مردها البصمة المتعمقة التي يتركها في قلوب من حوله..
وبالحوار مع كثيرٍ من الزوجات اللائي تترددن على عيادات الطب النفسي، استنتج الأطباء يقينًا أن أزواجهم هم المرضى بالنرجسية والأنانية وربما السيكوباتية.. وهم يهروبون من ذواتهم ويلصقون ما بهم من سوء بذويهم ليكون ذلك نوعٌ من الإسقاط للهروب من واقعهم..
وإن كنا لسنا بذلك الصدد.. ولكن مُختصر كيفية تعايش وتأقلم تلك الزوجة مع ذلك الزوج.. هو بحثها عن ذاتها وإنكار مايفعله معها بأي وسيلة، فلتهرب هي الأخرى ولكن في هذه المرة تُسقط أنينها في عملٍ ولو يدوي تُفرغ به كل طاقتها ولا تعتني بأنانيته بل تعتني فقط بمتطلباته قدرما أمكن لأنها زوجة مُطالبة أمام الله سبحانه بطاعة زوجها..
ولكن..
ما نحن بصدده الآن هو كيف لا يصنع الوالدان ذلك النرجسي؟!
يجب على القائمين بالتربية عدم التدليل المفرط والنفخ في الأنا للطفل أو الابن فتتضخم ولا تجد لها مكانًا على الأرض هي وصاحبها.. فتشعر أنها من عالمٍ آخر ومن حولها هم الغوغاء ولها الاستحقاق عليهم وعلى الجميع خِدمتها.. تلك الأم التي تقول لابنها بشكلٍ مُستمر أنت أجمل وأذكي طفل في الصف الدراسي أو الحي.. أنت ليس في صفاتك أحد.. لا توجد امرأة بالعالم تستحقك.. وكلما أخطأ تقول له لا بأس أنت رجل.. إذا آذاك أحد لابد أن ترد له الصاع صاعين..
إن الحديث قد انحني أكثر باتجاه الذكور.. وذلك لأن المجتمع ذكوري وللأسف صنعته أنثى..
وبالطبع هناك فرق بين أن تُنمي الثقة لدي ابنكِ وبين أن تُزيدي الثناء المبالغ فيه وأن تعطيه حجمًا أكبر من حجمه، فلا يجد له مقاسًا بالمجتمع.. فخير الأمور الوسط..
وكذلك القسوة والإهمال الزائدان الموجهان للابن.. فيكبر ولديه شعور متأصل بالنقص والرغبة بإيذاء غيره بالانتقام لأي تصرف به قدر أنملة لشعوره أيضًا أنه أفضل مَن بالعالم.. وأيضًا تتبلد مشاعره ولا تشغل العاطفة والأحاسيس مكانًا بحياته..
أيتها الأم.. أيها الأب.. العون.. قدموا لنا أبناءًا صالحين.. قدموا لنا أزواجًا صالحين.. بل قدموا لنا آباءًا صالحين..
أيها المجتمع إذا كان السابقون الَّذين نصنع لهم تماثيلًا الآن وقد محونا خطيئتهم بأحاسيسنا المرهفة..تلك الأحاسيس نفسها هي التي تدفعنا أن نربي الآن بشكلٍ خاطئ..
حاولوا جاهدين أن تربوا أجيالًا تُسكِن من حولها أمانًا وحبًّا وسندًا، لا تُسكِن من حولها المصحات النفسية.